الرئيسيةتقارير

سوريا وتاريخ من الغزو باسم الله – حسان يونس

غالبية غزاة سوريا والمنطقة تلطوا باسم الدين حتى تيمورلنك اعتمد على الدين في دخول دمشق

سناك سوري – حسان يونس

بتتبع بسيط لأحداث تاريخنا العابق بالاجتياح والغزو من الشرق والغرب والشمال والجنوب، نجد أن الغالبية الساحقة من الغزاة كانت تتلطى خلف الدين، وخلف العواطف الدينية الجياشة لمجتمعاتنا من أجل إيجاد ثغرة ما في البنية الدفاعية لهذه المجتمعات، تتسلل من خلالها.

قورش واستعمال الدين في معركته مع بابل :

في أول غزو إمبراطوري تعرفه منطقتنا خلال اجتياح بابل على يد الملك الأخميني “قورش” 539 ق.م، جرى استعمال الدين بشكل لافت، حيث أعلن “قورش” في نقوشه أن السبب الذي دعاه للتوجه إلى بابل هو أن الإله البابلي “مردوخ” طلب منه أن يجهز «جيشاً بعدد الماء الموجود في النهر وبصفوف متناسقة حاملين أسلحتهم لكي يجنب بابل الكوارث ويزيح “نبونائيد” عن الحكم»، وهكذا تسلل “قورش” متلطياً بالولاء للإله البابلي “مردوخ” تحت جنح الانقسامات التي كانت تشهدها بابل بين كهنة “مردوخ” والملك البابلي آنذاك، الأمر الذي لعب دوراً فعالاً في استتباب الأمور طيلة فترة حكمه وحكم ابنه الملك “قمبيز” الثاني، ومن أجل مزيد من التلاعب بعواطف وعقول البابليين أولى “قورش” اهتماماً خاصاُ لاحتفالات رأس السنة البابلية (اكيتو)، معلناً خلالها أنه خادم الإله “مردوخ”، وهي عبارة تستخدم حالياً تحت مسمى “خادم الحرمين الشريفين”، وهي الاحتفالات التي كان الملك البابلي الأخير “نبونئيد” قد أهملها معطياً الأولوية لعبادة إله القمر “سين” على حساب عبادة البابليين لمردوخ، ما أنتج شرخا استغله “قورش” ببراعة فائقة .

“أوراليان” واستعمال الدين في معركته مع “تدمر”

خلال معركته الأخيرة والحاسمة مع الملكة السورية “زنوبيا” أعلن الإمبراطور الروماني “أوراليان” أنه سيقيم معبداً لإله الشمس (ايلا غبال الذي كان معبودا حمص) فى حال انتصاره على “زنوبيا”، وفي المعركة الفاصلة التي جرت قرب مدخل مدينة “حمص” كادت الغلبة أن تكون لجيش “زنوبيا” لولا ظهور “تجلّي إلهي” لجنود جيش “أوراليان” (حسب إدعاء المؤرخين) زاد من حماستهم ودفعهم لقتال وهزيمة التدمريين، ووفق المؤرخين فإن “أوراليان” اعتبر أن ذلك التّجلي كان لإله الشمس، وبعد انتصاره 237 م عاد “أوراليان” إلى معبد “ايلاغبال” في حمص وقدم له أضاحي كثيرة ناسباً إليه فضل الانتصار في محاولة لاستمالة قلوب سكان حمص.

اقرأ أيضاً: ثلاث تحولات كبرى في تاريخ سوريا – حسان يونس

“تيمورلنك” واستعمال الدين في معركته مع دمشق :

إن قصة دخول تيمورلنك إلى دمشق 1400 م، واستباحة المدينة كسكان ومكان ونهبها وإحراقها، تكاد تكون أحد أكثر الأمثلة سطوعا حول دور الدين ورجالاته في انهيار الأمم أمام الغزاة، فبعد انسحاب السلطان المملوكي “الناصر فرج برقوق” من مواجهة تيمورلنك إلى مصر نتيجة خلافات بين المماليك على كرسي الحكم في القاهرة، صمم أهالي دمشق على المقاومة، وأيدتهم الحامية المملوكية المتحصنة في القلعة والمكلفة بحراسة المدينة، وبعدما عجز جيش “تيمورلنك” عن اقتحام المدينة خلال مناوشات كثيرة متكررة لجأ إلى حيلة الدين ورموزه، فأرسل إلى الدمشقيين المقاومين من يبلغهم ‏:‏ «أن الأمير يريد الصلح فابعثوا رجلاً عاقلاً حتى نحدثه في ذلك»‏، فكان أن وقع الاختيار على قاضي قضاة دمشق “تقي الدين إبراهيم بن محمد بن مفلح الحنبلي”، الذي اجتمع بتيمورلنك، وعاد إلى “دمشق” مخدوعاً بقوله ‏:‏ «هذه بلدة الأنبياء وقد أعتقتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة عن أولادي»‏، وحين عاد قاضي القضاة دعا الدمشقيين إلى الاستسلام وتسليم المدينة، فكانت استباحة تيمورلنك لدمشق ‏من أعظم المآسي في تاريخها خلال كل العصور.

العثمانيين القدامى والجدد واستعمال الدين :

بعد هزيمة العثمانيين للمماليك في معركة “مرج دابق” 1516 م، تابعوا تقدمهم إلى مصر ودخلوا القاهرة 1517 م، ثم عادوا إلى الأستانة مصطحبين معهم الخليفة العباسي “المتوكل” الذي كان يعيش في كنف المماليك، مقدماً لحكمهم الشرعية باعتباره خليفة وباعتبارهم سلاطين، وفي الأستانة، في جامع آيا صوفيا (وفق ادعاءات العثمانيين) تنازل الخليفة المتوكل عن الخلافة إلى السلطان سليم الأول ليصبح أول خليفة عثماني، ورغم شكلانية الحدث إلا أنه لا يمكن تجاهل أن العثمانيين حكموا مئات الأعوام مستعينين بقوة الرابطة الدينية ولا يزال العثمانيون الجدد يعتمدون الرابطة الدينية للعودة إلى حكم المنطقة، ومن الطريف ذكره أن مصر بقيت ترسل أموال الزكاة إلى الأتراك حتى نهاية خمسينيات القرن الماضي حين أوقف عبد الناصر ذلك.

نابليون بونابرت واستعمال الدين في غزو مصر :

في العصر الحديث وفي أول غزو غربي لمنطقتنا، استعمل “نابليون بونابرت” الدين في حملته على مصر 1798 م، والتي كانت تهدف إلى قطع طريق التجارة بين إنجلترا والهند، إذ استبق حملته بإرسال رسالة إلى الشعب المصري معلناً أنه حامي الإسلام ومضمناً رسالته شعائر دينية جعلت بعض الناس تقتنع بإسلام الرجل، وحتى الآن لا يزال إسلام “نابليون بونابرت” مثاراً للنقاش، وهناك من يبذل الجهد ويدبج المقالات لنفي إسلام نابليون، ما يعني أن الرجل استعمل الدعاية الدينية بشكل بالغ التأثير .

الألمان واستعمال الدين في السيطرة الاستعمارية على السلطنة العثمانية :

على عادتهم يضع الألمان اللبنات الأولى التي يستكمل الانكليز ومن ثم الأمريكان البناء فوقها، إذ يقول المؤرخ “وولفغانغ شوانيتس” في كتابه “الجهاد صنع في ألمانيا… النزاع حول الحرب المقدسة 1914 – 1915″، ويشير المستشرق النمساوي “ستيفان كرويتسر” في كتابه “الجهاد من أجل القيصر الألماني” إلى أن الرحالة وعالم الآثار والدبلوماسي الألماني ماكس فون أوبنهايم (1860 – 1946) هو المؤسس الحقيقي لفكرة الجهاد المقدس لصالح أجندات غربية، ولُقّب بأبي الجهاد الإسلامي وأبي الحرب الإسلامية المقدّسة.

انعكست أفكار “أوبنهايم” في استثمار الألمان للإسلام خلال التحالف الألماني- العثماني قبيل الحرب العالمية الأولى، حيث زار الإمبراطور الألماني فيلهلم الثاني (الذي أسماه المسلمون الحاج غليوم الثاني) دمشق ولبنان والقدس عام 1898، وزار ضريح صلاح الدين الأيوبي ووضع إكليلاً من البرونز عليه ظل في مكانه إلى أن سرقه لورانس العرب بعد ذلك بعقدين من الزمن، كما زار المسجد الأموي في دمشق (وهو ما يذكرنا بزيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى جامع السلطان حسن في القاهرة عام 2009 قبل إطلاقه لمشروع التحالف مع الإخوان المسلمين).

استعمال الانكليز للدين في حربهم مع العثمانيين :

لم يتأخر الانكليز عن الالتحاق بالحافلة واستعمال الدين ورجالاته سلاحاً متقدماً في زحفهم الوبائي على منطقتنا، حيث يخاطب المندوب السامي البريطاني في مصر مكماهون “الشريف حسين”، في رسالة في 10 آذار 1916 قائلا: «إلى ساحة ذلك المقام الرفيع ذي الحسب الطاهر والنسب الفاخر، قبلة الإسلام والمسلمين، معدن الشرف وطيب المحتد، سلالة مهبط الوحي المحمدي الشريف ابن الشريف، صاحب الدولة السيد الشريف حسين بن علي ، أمير مكة المعظم، زاده الله رفعة وعلاء”. وعندما أعلن الشريف حسين ما يسمى (الثورة العربية الكبرى) على العثمانيين في 10 حزيران 1916، أرسل مكماهون إلى وزارة الخارجية البريطانية في 14 آب 1916 قائلاً: “إن لدينا فرصة فريدة قد لا تسنح مرة أخرى في أن نؤمّن بواسطة الشريف نفوذا مهما على الرأي العام الإسلامي والسياسة الإسلامية، وربما نوعا من السيطرة عليهما».

من نافل القول أن البريطانيين والأمريكيين والصهاينة استعملوا ويستعملون الإسلام السياسي بكل تلاوينه ودرجاته، مهما قصرت أو طالت لحاه، ومن نافل القول أن الإيرانيين والأتراك والسعوديين يتزاحمون في الجغرافية السورية متقنعين بالدين ورموزه ورجالاته، ويظل السؤال الملح ما هو البديل عن كل هذا الاستحواذ على الإله من قبل الغزاة ؟، وكيف نغلق أبوابنا في وجههم ؟، وفي وجه استعمالهم الخبيث للدين.

ربما نجد إجابة على ذلك في محاورة وقعت في تموز من العام 1920، في قاعة الحكم في دمشق، بين الملك فيصل (سليل الأشراف وسليل السلالات الدينية وقاضي قضاة دمشق الحنبلي في نسخته المحدثة) وبين عبد الرحمن الشهبندر الزعيم السوري العلماني (الذي يعكس بجدارة حامية قلعة دمشق في زمن تيمورلنك) لمناقشة إنذار الجنرال غورو :

ـ الملك فيصل الأول ملك سوريا:«أنا أقول لك يا شهبندر أنا ابن رسول الله وسأوافق على شروط الجنرال غورو والقيادة الفرنسية».

ـ الدكتور عبدالرحمن الشهبندر وزير الخارجية: «وأنا أقول لك.. أنا ابن هذا البلد.. ولن أوافق على تسليمها لا لغورو ولا لغيره».

اقرأ أيضاً: ‏المرأة في التاريخ السوري نافذة حضارة – حسان يونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى