الرئيسيةتقارير

سوريا.. استنزاف كوادر القطاع العام بحثاً عن راتب أفضل

لسنوات طويلة كان الجميع يرغب بوظيفة الدولة.. هل تغيّر هذا الواقع اليوم؟

سناك سوري- دمشق: لينا ديوب، طرطوس: نورس علي، الحسكة: عبد العظيم عبدالله

الدكتورة عبير مراد

تركت الطبيبة “عبير مراد” اختصاص نسائية عملها بالقطاع الحكومي في محافظة “الحسكة” واتجهت للعمل في القطاع الخاص، أقدمت على خطوتها هذه نتيجة «عدم تقدير الكفاءات من قبل غالبية المدراء ولأن الجهد كبير والمردود المادي قليل مقارنة بحجم العمل»، حسب حديثها لـ”سناك سوري”، مضيفة: «حتى كلمة يعطيك العافية ماحدا بيقولها».

الغلبة للعمل الخاص

يُرجع المهندس محمد ( 60 عاماً) تركه الوظيفة الحكومية والتوجه إلى القطاع الخاص والمنظمات الدولية لأسباب مادية وأخرى ذاتية، يقول لـ”سناك سوري”: «الأجور بالقطاع الحكومي متدنية، ما يجعل الطامحين واللذين يمتلكون كفاءات علمية يبحثون عن مكان عمل وبيئة عمل أفضل يحصلون فيه على أجر أفضل ليعيشوا حياة أكثر كرامة».

عمِلَ المهندس “محمد” (تم استخدام اسم مستعار بناء على طلبه) في وزارة الموارد المائية بدمشق لأكثر من 20 عاماً، حتى أنه تدرج في عدة مناصب خلال الـ10 سنوات الأخيرة في عمله بالوزارة قبل أن يتركها، كما يقول ويضيف أنه كان من الممكن أن يصل لمواقع وظيفية عليا تصل حتى لمرتبة وزير، لكن ومن خلال عمله في مديرية التخطيط والتعاون الدولي، تواصل مع عدد من المنظمات الدولية التي كانت تقدم مساعدات تقنية للوزارة، وتلقى عرضاً من أحد الخبراء للعمل في شركة ألمانية تستهدف تطوير قطاع المياه في “سوريا”.

بدأ الصراع داخله بين أن يترك العمل والمنصب الذي جاهد طويلاً للوصول إليه، خصوصاً أنه يشعره بالرضا بالحصول على سيارة حكومية واحترام مجتمعه له كمسؤول بالدولة، كذلك استفادته من السفرات الخارجية والحصول على تعويضات مالية جيدة، إضافة إلى شعوره بالأمان الذي يمنحه العمل الحكومي، يضيف: «بعد صراع استمر لأيام كانت الغلبة للعرض الذي منحني راتباً يوازي أضعاف راتبي الحكومي، كذلك بسبب إغراءات زيادة الخبرة».

اقرأ أيضاً: عام على زيادة الراتب الأخيرة.. الـ20 ألف شو صارت بتعمل هلأ؟

العمل الخاص إلى جانب العمل الحكومي!

لم يصل المهندس الزراعي “مجد” 32 عاماً (تم استخدام اسم مستعار بناءا على طلبه) والذي يقيم في محافظة طرطوس بعد إلى مرحلة الاختيار بين العمل الحكومي والعمل الخاص، رغم أنه إن وصل إليها فسيختار العمل الخاص حكماً، كما يقول ويضيف لـ”سناك سوري”: «هربت من حالة قتل المهارات والخبرات في العمل الحكومي، إلى الطموح والاندفاع وتحقيق المكانة الاجتماعية والاهتمام بي كإنسان منتج من خلال العمل في القطاع الخاص، ونجحت في الجمع بين العملين».

بداية عمله الحكومي كان يشعر باندفاع وطموح كبيرين، لكن بعد عدة أشهر بدأ يشعر بقلة الاهتمام وعدم تقدير عمله، بالإضافة إلى الافتقاد بشكل كامل للتطوير أو المحفزات، كما يقول ويضيف: «بدأت العمل في شركة خاصة إضافة لعملي الحكومي، الراتب أكبر بكثير يتناسب مع الجهد المبذول، بالإضافة إلى الحوافز والمكافآت، كذلك تطوير المهارات المستمر الذي أحظى به، والتقدير لأي عمل ناجح أنجزه، الواقع بين العملين مختلف كلياً، وأيضاً المكانة الاجتماعية التي حققتها من خلال العمل الخاص».

السبب الرئيس تدني الأجور

الدكتور عبدالله الفارس

يرى عميد كلية الاقتصاد السابق في “الحسكة”، الدكتور “عبد الله الفارس”، أن السبب الرئيس لترك وظائف القطاع العام هو تدني مستوى الأجور، والفرق بينها وبين مستوى المعيشة، لذلك الكل يبحث عن فرص عمل، تحقق له الحد الأدنى من متطلبات المعيشة.

اقرأ أيضاً: نقيب الأطباء: أطباء سوريون سافروا إلى الصومال لأن الراتب أفضل

“الفارس”، أضاف في حديث لـ”سناك سوري”، أن القطاع العام يواجه اليوم تحديات كبيرة، من أهمها ضعف إنتاجية العمال والموظفين بسبب تدني الأجور، بالتالي سيؤدي تدني الأجور إلى تسرب الكفاءات النوعية باتجاه القطاع الخاص بسبب الفروق في مستوى الأجر، لافتاً أن قلة الأجور تضعف الارتباط  والدافعية للعمل، بسبب الفرق الكبير بين مستوى الدخل ومتطلبات المعيشة.

الخبير الاقتصادي، رأى أن «إصلاح القطاع العام والخدمة العامة يبدأ بإصلاح نظام الأجور وربطه بتحقيق حد أدني من توفير متطلبات المعيشة».

من حق الجميع البحث عن الخيار الأمثل لتحسين مستوى الحياة، لكن أن يستمر المنوال على ما هو عليه اليوم من ضعف الرواتب الحكومية مقارنة بالعمل الحر، يعني أن خطراً كبيراً يتهدد المجتمع السوري مستقبلاً، خطر لابد من تدارك تداعياته قبل أن يقع “الفاس بالراس”!.

تشهد البلاد ظاهرة ربما تكون في حدودها الدنيا بعد، وهي ترك العمل الحكومي بعد الحصول على فرصة في العمل الخاص، خصوصاً أن رواتب العمل الحكومي لم تعد كافية لتأمين حتى أبسط مستلزمات الحياة، ذلك على الرغم من أن غالبية السوريين يرغبون بوظائف الدولة والتي تشكل لهم عامل آمان كبير، لا يقدمه القطاع الخاص، فهل بدأت هذه المعادلة بالتغيّر اليوم؟!.

اقرأ أيضاً: “الغربي” يجيب زميله وزير المالية: “تعال قلك السر”!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى