الرئيسيةرأي وتحليل

رئاسة الحكومة بين المشاعر والمسؤولية – ناجي سعيد

الكاتب: المسؤولية معدومة لدى الطرفين الحكومة والمعارضة

سناك سوري-ناجي سعيد

أذكر في العام 2006 وقت العدوان الإسرائيلي على الجنوب اللبناني، والذي كان من أسوأ التجارب الشخصيّة لي، أي نعم اعتدتُ على التهجير إبّان الحروب التي مرّت في حياتي، ولكنّ المختلف كان هذه المرّة، بأنّي كنت مسؤولاً عن عائلة صغيرة: زوجتي وابنتي، أضف إلى أن أقاربَ لزوجتي كانوا في السيّارة التي اتّسعت سبعة اشخاص مع ثلاثة أطفال، اثنان في الأمام مع طفلٍ في حضنهما، وخمسة اشخاص في الخلف مع ثلاثة أطفال في الأحضان. فقد كانت المرارة في حجم المسؤوليّة التي حملتها حينذاك.

عند بداية الحرب الأهليّة في العام 1975 كنت في الرابعة من عمري، ولم أشعر بالمسؤوليّة. ولم يكن لدي النضوج لأسأل أبي حينها كيف كان يفصل مشاعره إبّان اندلاع الحرب، عن مسؤوليّته تجاه أسرته المكوّنة من زوجته وسبعة أولاد أكبرهم كان في الثانية عشرة، وأصغرهم لم يبلغ سنواته الثلاثة. وعلى الرغم من الفارق بين مسؤوليّة أبي وعائلته الكبيرة ومسؤوليّتي تجاه ابنتي وزوجتي، إلاّ أني كنت واعيًا لفكرة المسؤوليّة التي حملتها فليس من الوارد إنسانيًّا أن ألوذ بالفرار مع عائلتي الصغيرة في سيارتي الجديدة خوفًا على السيارة وتناسيًا لأرواح بريئة أقلّيتها معي!! المسؤوليّة ليست موجودة في منطقة المشاعر.

المسؤوليّة ليست موجودة في منطقة المشاعر ناجي سعيد

فقد تعلّمت من المجال الذي خضته لاحقًا بأن المشاعر هي خمسة فقط: الفرح/ الحزن/ الغضب/ الخوف/ الاشمئزاز. وكل ما يظنّه الناس مشاعرًا إنّما هو حالات تصدر عن المشاعر. لكن المسؤوليّة هي مهارة ترتبط بحسن إدارة مهمّة تُوكل إلى الإنسان. وجهل الناس في مكان وضع المسؤوليّة، “ضيّعت الشنكاش” بين العام والخاص! فأي مسؤول في القطاع الرسمي (نائب، وزير، رئيس حكومة..) يحب أن يكون مهتمًّا لفصل مسؤوليّته الخاصّة (عائلته)، ومسؤوليّته العامة في الدولة.

وأذكر تمامًا، ولهول المصيبة والفاجعة، حيث أودى الاعتداء السافر للعدو على جنوب لبنان بالعديد من الضحايا، حين ظهر “فؤاد السنيورة” رئيس الحكومة آنذاك على شاشة التلفاز في تصريح استنكاري، ولم يستطع أن يخفي دموعه تأثّرًا. وأنا لا أطلب منه أن يقمع مشاعره فهذا حقّ مشروع، لكنّ المسؤوليّة المطلوبة منه بصفته الرسميّة، ألا يُظهر هذه المشاعر الخاصّة في مساحة عامّة (الإعلام). فقلّة الوعي السياسي والشعبي، حوّل هذا الحقّ إلى سخرية من الطرف السياسي الذي ينتمي له السنيورة.

اقرأ أيضاً: اصغِ.. تُصغي لكَ الدنيا – ناجي سعيد

وهكذا فالمسؤوليّة معدومة لدى الطرفين الحكومة والمعارضة. وليس حديثي فقط عن فترة خلت. فحالة الطوارئ إذا أرخت بثقلها على شخصٍ مسؤول، لا بل أيّ مسؤول على اختلاف الظروف العاصفة في البلد، ربما يفقد قدرته على الفصل بين المسؤوليّة والمشاعر. وكأنّ المشاعر هي الباب الذي يستجلب استعطافًا، مساعداتَ الدول الغربية المانحة!! وإلاّ فـ” حارتنا ضيّقة ومنعرف بعض”.

المسؤوليّة معدومة لدى الطرفين الحكومة والمعارضة ناجي سعيد

ما أطلبه كمواطن ليس مستحيلاً. فببساطة هناك الكثير ممّن يشبهون بداخلهم “أحمد عبد الحقّ” (شخصية أيمن زيدان في يوميّات مدير عام) ولكنّ تنقصهم جرأة تفصح عن قوّة ضمائرهم. من المذنب في الانفجار المشؤوم (4 آب تفجير مرفأ بيروت) ومن أخفى كمّيات البترول، والطحين، والمواد الغذائيّة، والأدوية؟ هذا السؤال يتضمّن خمس ملفّات تُشكّل برنامج حكومة، لو صَحَت ضمائر التشكيلة الوزارية، وصوّبت نحو فتح الملفّات المذكورة، لساهموا في إعطاء دواء مُهدّئ مؤقّت لوطن وادع، لم تتوانَ أحزاب السلطة حتّى الآن، من الصراع والخلاف، حول جنس الملائكة.

وبطبيعتي اللاعنفيّة، أتميّز بنظرتي الإيجابيّة للأمور، لذا آمل أن يكون باستطاعة التشكيلة الجديدة العمل بجدّية لتحقيق أحلام الناس. وليست الأحلام كما ثرثر “الفايسبوكيون” بالسخرية”: شو ح يشيلوا الزير من البير”!! من الممكن أن أشارك الناشطين على الفايسبوك بهذه السخرية، لكن لأمرٍ آخر مختلف، يلتقي مع شعار الثورة في لبنان: #كلّن_يعني_كلّن. فالوزراء المكلّفون، هم أبناء أحزاب السلطة الفاسدة، لكنّ من الممكن أن يكونوا من أبٍ آخر!!.

وبكلّ إيجابيّة أطلب من الحكومة العسيرة الولادة، أن تكرّس الفهم الحقيقي لمصطلح “سياسة”، فمن تعريف علم السياسة:”.. تقديم مقاربات ومناهج علميّة لبناء دولة حديثة وإدارة الأزمات وحلّ المشكلات..”، ولم أجد مرجعًا سياسيًّا أتحفني بمصطلحات محليّة بحت كـ: الثلث المُعطّل، والديمقراطية التوافقية.. هل لأنّي فصلت مشاعري عن عقلي؟ فلا يمكنني أن أفهم مصطلحات سياسية نابعة من مشاعر لا من فهمٍ مسؤول.

اقرأ أيضاً: الفساد هو المصدر المُغذّي للعنف – ناجي سعيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى