الرئيسيةرأي وتحليل

درعا… هنا يقال للمسؤول “الله يحميك”

قبول المهمة في درعا اليوم يعد فعلاً تكليفاً لا تشريفاً.. بل ويعد خطراً كبيراً على المُكلف

سناك سوري – بلال سليطين

تم أمس تكليف رئيس جديد لمجلس بلدة “الشجرة” في ريف محافظة درعا بعد أن اغتال مسلحون رئيس البلدية السابق “حسان عبد الله” في وضح النهار يوم العاشر من كانون الأول الجاري.
في درعا يقال لأي رئيس بلدية يكلف أو مسؤول في منطقة بعيدة عن مركز المحافظة “الله يحميك”، فهو مهدد بالاغتيال كل يوم وكل لحظة، وحياته على كفه فور قبوله بالتكليف حتى ولو كان مختاراً.
أن تقبل التكليف وحياتك مهددة أمر ملفت جداً، وربما علينا القول إن المسؤولين الوحيدين في سوريا الذين يحق لهم التحجج بالأزمة هم مسؤولي ريف “درعا” وبشكل رئيسي رؤساء وأعضاء المجالس المحلية، الذين يلعبون عبر البلدية دور كل مؤسسات الدولة في مناطقهم بهذه المرحلة.

اقرأ أيضاً: صناعة الوهم الحرب مستمرة – بلال سليطين

كما أن الإصرار على استهدافهم أمر يستحق البحث والتفكير، لماذا يتم استهدافهم؟ كيف يمكن حمايتهم؟ ماهو جذر المشكلة؟ ماهو الحل؟ أسئلة كثيرة لابد من البحث فيها.
وإن كان يعتبر قبول المهمة في درعا بظل هذه الظروف “شجاعة” في الأوساط العامة، فهذا لا يعني أن يرمى بهؤلاء (الشجعان) إلى حتفهم، فهم يمثلون استمرارية عمل الدولة في سبيل تأمين احتياجات المواطنين، فعلى سبيل المثال بلدة مثل “الشجرة” كان يسيطر عليها داعش وتعاني من واقع ظلامي، اليوم عادت إليها المدارس وجزء كبير من خدمات المياه والكهرباء وحتى الطرق، والجهد الأكبر كان مناطاً بالمجالس المحلية.
المجالس المحلية جاءت عبر انتخابات الإدارة المحلية التي جرت في نهايات العام 2018، وبعض المناطق من درعا لم تشهد انتخابات وإنما فوزاً بالتزكية، وبلا أدنى شك المجالس التي وصلت تعبر عن السلطة القائمة حالياً في سوريا، وبمعنى أدق عن إرادة حزب البعث الحاكم، وربما يكون من المفيد لحماية أرواح هؤلاء المسؤوليين التفكير بطرق أخرى لاختيارهم.

اقرأ أيضاَ: درعا: نموذج اللاحل..وإعادة إنتاج العنف

وبعيداً عن نسبة النجاح في العمل، يمكننا القول إن المكلفين بالعمل العام في درعا بعيداً عن “المربع الأمني” الواقع في مركز المحافظة، يقدمون نموذجاً مختلفاً عما اعتدنا عليه لدى المسؤولين، فهؤلاء فعلاً يقبلون تكليفاً وليس تشريفاً، والمهام التي يتولونها قد تقودهم إلى الموت وليس إلى القصور والسيارات الفارهة والهيبة والسلطة والنفوذ..إلخ كما هو الحال لدى الغالبية في باقي المحافظات، بدليل أن أكثر من 10 رؤساء بلدية إما اغتيلوا أو تعرضوا لمحاولات اغتيال بالرصاص أو بتفجيرات ..إلخ، بينما هناك رؤساء بلديات في غير مناطق منذ عام إلى اليوم أصبح لديهم أبنية وقصور، وبعضهم أقيل بقضايا فساد قبل مرور عام على وصولهم للكرسي.
أن تضحي بنفسك في العمل العام لا أن تُحصِل لنفسك وأسرتك من العام، هو ما تحتاجه البلاد، ومن يفعلون ذلك هم من يجب البحث عنهم واختيارهم لتولي المهام ومنحهم الثقة، مع التأكيد على قدسية الأرواح وضرورة حمايتها وحفظها، وهؤلاء المُضحين بالمناسبة موجودون بكثرة في سوريا ومن مختلف الانتماءات السياسية والمستقلين..إلخ، لكنهم إن كانوا يُختارون في درعا فهم يغيبون في مناطق أخرى.
السلام لأرواح كل الذين قضوا مؤمنين بالتضحية من أجل الخدمة العامة وتأدية دورهم في تلبية احتياجات الناس واستمرار عمل الدولة ومؤسساتها من أجل كل المواطنين من دون تمييز أو تحيز.

اقرأ أيضاً: انتخابات سوريا على الأبواب.. فرصة الشعور بالتمثيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى