الرئيسيةرأي وتحليل

اللاعنف وفعل حرق المصحف في السويد – ناجي سعيد

هل يؤدي تطور دولة كالسويد منح الحق لمواطنيها باحتقار الآخر؟

انتقد مراسل “إس في تي” هذا العمل التحريضي حينها مخاطبا بالودان بالقول “عُد إلى منزلك أيها الأحمق”، وهذا المراسل الذي ذكرته، يعمل في هذه المحطّة العاملة في دولة السويد! والمعروف عن السويد بأنها دولة متقدّمة، فهي تصنع السيارات وربّما أكثر من ذلك! وهل يُفضي هذا التطوّر ليمنح مواطنيها الحقّ في احتقار وإهانة الأخر؟.

سناك سوري-ناجي سعيد

من ناحية أخرى، قرر التلفزيون السويدي الرسمي “إس في تي” (SVT) تسريح أحد مراسليه من عمله بسبب انتقاده زعيم حركة “سترام كورس” راسموس بالودان” وهذا المذكور هو زعيم حركة “سترام كورس” (الخط المتشدد) اليمينية، الدانماركي السويدي راسموس بالودان، الذي أقدم على إحراق نسخة من القرآن الكريم”.

وبصفتي لاعنفي، أسمح لنفسي انتقاد تصرّف هكذا دولة مُتقدّمة على ما يُزعم، فالتقدّم ليس بالشكل فقط! ولو أنّ الفوضى التي تعمّ بلادنا العربيّة، تُشعل حربًا وخرابًا إثر هكذا سلوك يتضمّن إهانة وتحقير لمُقدّسات دينيّة، لكنّ خوفًا تحمله فئات عنصرية من حدوث فوضى تردعها من القيام بهذا السلوك المُشين! وأفهم تمامًا الآن ما كتبه الفيلسوف الهندي “أمارتيا صن” في كتابه “الهويّة والعنف”: “الشعور بالتضامن ضمن فئة مُعيّنة، يُولّد كرهًا وضغينة تجاه الفئات الأخرى”!.

وقد نُسلّم بالمنطق البيولوجي هنا، ولكنّ أليس من واجب الدولة تكريس مفهوم المواطنة الذي يكفل الحقوق لمختلف المواطنين؟  وماذا نُفسّر إذًا، من ناحية أخرى، قرر التلفزيون السويدي الرسمي “إس في تي”SVT تسريح أحد مراسليه من عمله بسبب انتقاده زعيم حركة “سترام كورس” راسموس بالودان” أي نعم إن اللاعنف يسمح بانتقاد الآخر نقدًا موضوعيًّا، شرط أن لا يكون إهانة لمقدّسات الآخر! وليست القصّة بمنع ردّة الفعل على فعل، لا بلّ بتشجيعها وحماية مرتكبها.

اقرأ أيضاً: العنف الانتخابي … عن شراء أصوات الناخبين – ناجي سعيد

ولست بالطبع مع ما قاله زياد الرحباني ذات مرّة، “اللي بيضربك كفّ ضربه كفّ، ما تردّ عليه ببيان بالجريدة! أصلاً هوّي ما بيقرا الجريدة!!” وأنا أبذل جهدي لأمحو أمّيته، العاطفيّة قبل القراءة والكتابة!  يُقال: خيرُ الأمور أوسطها. وهذا الاعتدال مطلوب لبناء دولة حتّى تكون مُتقدّمة.

فلا يجوز لدولة يحلم بالهجرة إليها أي مواطن عربي أن تحرق مُصحفًا يؤمن به هذا المواطن! من المُعيب أن نطلب الهجرة سعيًا وراء لقمة العيش، ضاربين بعرض الحائط قيمَ احترام الآخر. فكما قال يسوع: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان. أرفض بشدّة إهانة الآخر ومقدّساته.. ومن أنا لأرفض؟ أنا يُمثّلني العصفور الصغير بحجمه، الذي حمل الماء بمنقاره الصغير ليطفئ النار التي أحرقت الغابة، وحين سألته الحيوانات الفارّة من الحريق، قال: “عم بعمل النقطة اللّي علييّ!”، نعم إنّ هذه القيمة تكفل استمرار الحياة في الغابة، فلو وُجد عصفور في السويد لانتقد الإسلام (لو لا يعجبه) ولم يلجأ إلى إحراق القرآن الذي يُظهر دولته المُتقدّمة دولةً مُتخلّفة عنصريّة.

اللاعنف قبل أن يعلّم الإنسان احترام الذات، يجب أن يعلّمه احترام الآخر. ما لا تعمله السويد هو ما قاله النبي محمّد ص: نعم، المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا وشبك بين أصابعه، وأكمل: من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.

هذا حديث عن نبيّ أوصى أتباعه بهذا، فهل يعقل أن تسارع الدول المُتقدّمة لاتهام الإسلام وتبارك حرق قرآنه؟، لا أنفي سلوك سلبي لأفراد قد يسيء لدُول، وهذا ما يعطي تعميمًا تنساق وراءه الدول المُتقدّمة لتجزم تخلّف الإسلام برمّته دونما التحقيق بصوابية الأمر. اللاعنف يرفض التعميمات التي تجعل العالم عنيفًا، يلغي الآخر. فقد قال غاندي: اعبد حجر، ولكن لا تضربني به!.

اقرأ أيضاً: هل يولد الإنسان على فطرة الخير واللاعنف – ناجي سعيد

زر الذهاب إلى الأعلى