الرئيسيةرأي وتحليل

الفلسفة المدمرة ورفع الأسعار أسوةً بدول الجوار – أيهم محمود

عندما يدافع منتج البندورة عن المهرب فهو لا يدرك مساهمته في انهيار منظومة التبادل الداخلية

سناك سوري – أيهم محمود

يدافع بعض منتجي البندورة عن التهريب والمهربين، فهو من أنقذهم من الإفلاس وضمن قدرتهم على دخول سوق الإنتاج في العام القادم، المشكلة في هذه الحكاية أنها قابلة للتكرار على كل المنتجات السورية، وللأسف من بدأ هذه الفلسفة القاتلة هي الجهات الحكومية التي رفعت قيم الرسوم والخدمات وأطلقت العبارة الأشهر: “أسوةً بدول الجوار”.

لم يعد لدى معظم السوريين المال الذي يكفي حتى لشراء الطعام الذي أصبحت قيمته مرتبطة إلى حد كبير بسعر الدولار، لذلك يجب بيع الغذاء فقط لمن يملك المال، يظن المزارع أن هذا حقه وأن المهرّب أنقذه لذلك يشعر بنوع من الولاء والامتنان له، في المرة القادمة سيشعر مزارع البندورة بغلاء اللحوم، وبغلاء الملابس، وبغلاء جميع السلع الأخرى فليس بالبندورة وحدها يحيا الإنسان!، المهرّب نفسه الذي أنقذه من محنته سينقذ غيره من مزارعي المواد الأخرى ومن صناعيي البلد ودائماً هناك فرقٌ واضح بين دولار استيراد المواد الرئيسية وبين دولار السوق وبالتالي عملية التهريب مجدية دوماً حتى للمواد المستوردة والمواد التي يتم تصنيعها جزئياً في الداخل وتعتمد على مواد أولية مستوردة، والخلاصة بصيغتها النهائية أننا نبيع حاجاتنا وغذائنا للآخرين بدل خلق قيمة تبادلية داخلية لها، هذه فلسفة مدمرة للمجتمع، فلسفة النجاة الفردية وليحترق من بعدي الجميع، وهي الحصاد المرُّ للشوك الذي زرعته الجملة شديدة السمية التي تبدو بظاهرها بريئة “أسوةً بدول الجوار”، لقد ثبَّتت في الوعي العام حق قبول النجاة الفردية طالما الحكومة هي من بدأ بها أولاً.

اقرأ أيضاً:ارتفاع الأسعار.. التهريب المتهم الأول رغم نفي الجمارك

الكثير من القوى المجتمعية في الداخل السوري يحتاجون الدولار للمحافظة على مستوى معيشتهم السابق لبدء الحرب السورية، هذا الدولار لم يعد متوفراً لهم بعد اكتمال إجراءات الحصار الإقتصادي على سوريا وبعد تعمق أزمة المصارف اللبنانية حيث وضعت كثيرٌ من هذه القوى مدخراتها فيها، ولا سبيل آخر لهم سوى مبادلة الغذاء بالمنتجات التي تؤمن المحافظة على استمرار طريقة حياتهم السابقة، هم ليسوا مستعدين لتجربة طريقة حياة معظم السوريين وتجربة عيش حرمانهم من معظم احتياجاتهم الإنسانية باستثناء الحد الأدنى اللازم لبقائهم على قيد الحياة وهذا الحد الأدنى هو بالضبط مايقومون بتهريبه خارج البلاد، لذلك يجب بيع كل ما يمكن بيعه عبر الوسائل غير الشرعية مما يزيد من حدة الأزمة الغذائية ويزيد من تدهور الحالة الإقتصادية عبر إخراج المواد التي قامت الدولة بتأمينها للناس بسعر الدولار المدعوم من قبلها وبيعها للخارج وتحقيق الأرباح على حساب الدولة وعلى حساب فقر السوريين ككل.
أي أن الدولة تخسر القليل الذي تناور به للحفاظ على حياة السوريين حين لا يتم ضبط عملية التهريب ومنعه، و المواطن الذي يظن أن المُهرّب ينقذه فيبيع له منتجه بأسعار أكبر من قدرة السوريين عليها لكنها أقل بكثير مما يجنيه المهرب من فرق السعر الداخلي والخارجي.

اقرأ أيضاً: التحولات الثقافية في عصر التشبيك الرقمي- أيهم محمود

يبيع المنتج مادةً واحدة ليشتري بعدها عشرات المواد التي تضاعفت أسعارها بسبب منتجين آخرين يعانون من ذات الذكاء الذي قاده إلى الفلسفة المدمرة، وفي المحصلة يصبح الدولار هو العملة التبادلية الحقيقية لذلك تهوي قيمة الليرة السورية بسبب عدم القبول بها كعملة تصلح لتبادل منتجاتنا وجهودنا العضلية والفكرية.

قبل وجود العملة كان التبادل قائم على فكرة أحتاجُ بعض البرغل ولدي بعض الدجاجات تبيض فأقايض البيض بالبرغل ويحصل طرفا المقايضة على حاجاتهما المفقودة، العملة المحلية هي صيغة مقايضة تكفي لتبادل السوريين منتجاتهم الداخلية لكن بالتأكيد لا تكفي لعيشهم بالطريقة التي تعودوا عليها قبل الحصار الاقتصادي لبلدهم.
إن هذا السياق يقودنا إلى انهيار المنظومة التبادلية الداخلية بالكامل طالما أن جميع المشاركين يؤمنون بإمكانية الخلاص الفردي دون أن يدركوا أنهم يمضون في طريق لا نجاة فيه لأحد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى