الرئيسيةرأي وتحليل

السوريون يحكون لغة الآلهة كل يوم.. ماهي أبرز مفرداتها؟

شوب .. دلوعنا.. هيهات… عيون.. مادقت الدجن.. تعرفوا على جذر ودلالات المفردات السورية المحكية

سناك سوري – حسان يونس

آمن السوريون القدامى أن ما يفصل بينهم وبين عالم الآلهة هو الخلود، وبناءاً على ذلك كتبوا ونقشوا ونحتوا الكثير من الملاحم والتمائم والتعاويذ والمسلات أملاً باجتياز هذا الفاصل، ولا زالت عقدة الخلود تتحكّم بلاوعي الإنسان المعاصر بالرغم من الأوهام التي نسجها حول تطور وعيه وتجاوزه للخرافات والأساطير والاعتقادات القديمة .
وربما لم يخطئ أجدادنا فتلك الآلهة التي تعبدوها لا تزال حاضرة في المحتوى الثقافي المشفّر في طقوسنا ولهجاتنا المحكية برغم التحولات الجذرية التي شهدها تاريخ المنطقة، والتي وصلت في مراحل مختلفة إلى التغيير الديمغرافي والديني الكامل والثقافي .
أصبح معروفا اليوم أن عبارة “الزراعة البعل”، والتي تشير إلى المزروعات المروية بالمطر، مشتقة من البعل الكنعاني إله الخصب والمطر والانبعاث المتجدد للحياة، كما أصبح معروفاً اليوم أن عبارة “ما دقت الدجن” المتداولة كذلك والتي تعني “لم أتناول أي طعام” ، مشتقة من الإله داجون، الإله العموري، الكنعاني الذي يعني اسمه في أوغاريت “الحنطة” .

اقرأ أيضاً : سوريا التاريخية.. لا تحتقر إلهاً لا تعبده – حسان يونس

وباتجاه موازي لا يزال بعض السوريين يقولون عندما تعتريهم الدهشة والذهول “أيلي؟!” وهو اشتقاق من الإله العالي إيل، رأس مجمّع الآلهة الكنعانية، وهو تعبير يشبه أن نقول اليوم في حالات الدهشة “يا إلهي “، أو “يالله ” .
وأما لفظة “الدلعونا” الشهيرة المترافقة مع الدبكة، والموزونة وفق خطواتها، فتعود وفق “قاسم بياتلي” في كتابه ( ذاكرة الجسد – في التراث الشرقي الإسلامي) إلى أسطورة كنعانيّة تتعقل بالإلهة عناة، إلهة الخصب والحبّ والحرب عند الكنعانيّين، وابنة الإله إيل، والتي كان يتوسّل إليها العشّاق من أجل الحظوة بعشيقاتهم، بالقول: “عَناة يَدُكِ يا عَناة”؛ ومنها اشتُقّ لفظ “الدلْعونا” .
وكذلك فان الأغنية التراثية الشهيرة “هيهات يأم الزّلف ..  عيني يا موليّا ….” التي غنتها فيروز فخلّدتها وتخلّدت بها، تعني وفقا لكتاب (البحر الثالث) للباحثة التراثية فريال سليمة شويكي : هيهات “اسم بمعنى بعد وأما زلف فهي الإلهة عشتار التي تتزيّن للقاء حبيبها كما الأرض التي تزدان بكل أنواع الأزهار، وكان ثوب عشتار الذي ترتديه مزيّنا بأنواع الزهر والثمر ورموز الخصب والوفرة والتكاثر، وكانت تدعى أم الزّلف وتعني في القاموس السرياني ( الزينة والثوب الموّشى). وكلمة موليّا في القاموس السرياني تعني الخصب والوفرة.
و ينحو اسم مريم في ذات المنحى، فهو وفقا للأستاذ “فايز مقدسي”، الباحث في التراث واللغات القديمة، مركّب من جذرين، الأول (مار) ويعني العظيم أو المقدس أو السيد، والثاني (يم) ويعني البحر أو المياه العظمى التي خلق منها العالم، وهكذا يكون معنى اسم مريم (سيدة المياه) . وهو لقب أُطلِق قبلاً على الإلهة الأوغاريتية (عنات) أي سيدة الينابيع.

اقرأ أيضاً: الرقص في مخزوننا الثقافي – حسان يونس

وفيما يخص الرموز الدينية لدى السومريين أيضاً، يورد الدكتور “يوسف الحوراني” في كتابه “البنية الذهنية الحضارية في الشرق المتوسطي الآسيوي القديم”، أن الحساب السومري كان مؤسساً على القاعدة الستينية، أي على الرقم 60 الذي اعتمدوه كرقم تام، (وكان رقم الإله آنو راس مجمع الآلهة السومرية). ومازال مستعملاً إلى اليوم لقياس زاوية الدائرة وأقواسها، وكذلك لقياس (الذراع 60 سم)، والوزن (الشاقل ويساوي نصف كغ وهو جزء من ستين جزء من المينا الذي يساوي 30 كغ وهو الوزن المعياري لدى السومريين، باعتبار أن الإنسان العادي يستطيع حمله والسير به)، أما الإله التالي “إنليل” فعرف برقمه 50، ومازلنا نسمي الرياح التي تهب في فصل الربيع باسم الرياح الخمسينية نسبة إليه. أما الإله التالي لإنليل فهو “إيا أو أنكي”، ورقمه كان 40. وله علاقة بالينابيع، وفي التراث الشعبي هناك اليوم ما نسميه بـ “المربعانية” التي تلي الانقلابين الشمسيين 21 كانون الأول و21 حزيران، وتتصف أيام المربعانيتين بقساوة المناخ، كثرة المطر في المنقلب الشتوي، وشدة الحر في الأربعين يوماً التي تلي 21 حزيران. ووفقا للدكتور “حوراني” فان تسمية الينابيع “بالعيون” المتداولة بكثرة في أسماء القرى السورية هي تحوير لـ “إيون” المشتقة بدورها من “أيا” إله المياه العذبة.

يضاف إلى ذلك أن “شوب” أو “تشوب”، إله الطقس الرافدي الذي مازلنا نستخدم اسمه “شوب” لتوصيف حالة محددة من الطقس. أما “دموزي السومري أو تموز البابلي”، وكان إله الرعي والقطعان، وقد بقيت اللفظة مستخدمة في اسم شهر تموز، وسمي شهر أيلول اشتقاقا من الولولة والصراخ على نزول الإله ديموزي إلى العالم السفلي مصحوباً بشرطة هذا العالم المسماة في السومرية (gala) الذين لاحقوا الإله دموزي خلال إعادته إلى العالم السفلي، وهي تتطابق مع كلمة (غول) الواردة بكثرة في لهجاتنا المحكية والدالة على نوع من الشياطين .
وإذا تابعنا التنقيب في لغاتنا المحكية، وفي طقوسنا نجد الكثير من هذه الرموز والاشتقاقات، التي تؤكد حضور الآلهة السورية في لاوعينا مهما تباعد الزمان واضطربت خرائط المكان والمجتمع والوعي .

اقرأ أيضاً: الطقوس الدينية والطبيعة السورية القائمة على التنوع_ حسان يونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى