الرئيسيةرأي وتحليل

الروح الرياضية التي لا يتحلى بها المشجعون – ناجي سعيد

على قولة زياد الرحباني: اللي روحو تقيلة، روحوا من وجّو

سأبدأ المقال بما وردَ في حلقة إذاعية ضمن برنامج لزياد الرحباني، وقد قال: “اللي روحو تقيلة، روحوا من وجّو”! وقد لا يخطر على بال أحد. بأن اللعب على الكلام قدّ يُفسَّر بعمق. فما قصده الرحباني (برأيي) بأنّ على الإنسان أن يتمتّع بروح رياضيّة، وإلاّ كانت روحه ثقيلة (مؤذٍ) وعلينا تجنّبه.

سناك سوري-ناجي سعيد

ومن يمارس الرياضة وخاصّةً باحتراف، تراه يعمل على التحلّي بالروح الرياضيّة، وهذا المستوى الأخلاقي من ممارسة أيّ رياضة. وللتأكيد على كلامي، نجد أن أي مباراة كرة قدم (اللعبة الأكثر شعبية) حتّى لو كانت بين بلدين عدوّين سياسيًا، عند نهاية المباراة، يتصافح اللاعبون، حتّى يتعانقا أيضًا. وهذا معروف في وسط الرياضة، ولكنه غير وارد في وسط “جمهور” الرياضة.

وما أقصده تحديدًا، ليس جمهور من مشجّعي فريق معيّن، لا بل رأيي مبني على جولتي اليومية على متن وسائل التواصل الاجتماعي (الفايسبوك/ التويتر). والجولة أعطتني فكرة واضحة عن مدى تحلّي الناس بالروح الرياضيّة. نعم فكثير من أصدقائي (في عالم الديجيتال) يأخذون الموضوع بمنحى هزلي. والبعض يصرّح بأنّ السخرية والمزاح “والتزريك” ليس إلاّ من باب المرح والتسلية. وأنا مُقتنع بهذا بالطبع.

ولكنّ هناك ضحايا من فئات غير واعية، تتعاطى مع المسألة (على الفايسبوك وغيره مثلاً) وتنعكس بشكل واقعي سلبي على العلاقات ضمن دوائرهم الصغيرة، كالعائلات التي تنقسم على تشجيع المنتخبات، فالأب مثلاً يشجّع البرازيل والأم تُشجّع ألمانيا … وهكذا. وهذا الاختلاف أمرٌ صحّي، لكنّ تقع المشكلة عند قلّة الوعي في التعامل مع هذا الاختلاف، ليصبح خلاف.

اقرأ أيضاً: الزواج والتربية اللاعنفية -ناجي سعيد

ولو تطرّقنا للعملية بيولوجيًّا، فالمبالغة في “التزريك” أي التنمّر على مشجّعي الفريق الخاسر، توّلد شعورًا سلبياً تُسبّب القهر الذي قد يسبّب ردّة فعل عنيفة في حال لم يتمّ التعامل معها بشكلٍ واعٍ. لقد أعددتُ منذ حوالي التسع سنوات دليلاً تدريبيًّا اسمه “العين مش بالعين”، ويتضمّن بابًا يوضّح “أقسام الذات”. والمفارقة هنا، بأن الروح الرياضيّة تنمو وتنشأ وسط الأقسام الأربعة.

فالجانب الروحي يهتم بالروحانيّات، التي تعكس صفاءً وطمأنينة على الشخص، وتنعكس من خلال الجانب الاجتماعي في تعامله مع الآخرين. ويغذّي العقل ثباته، ليرسّخ روحًا رياضيّة. ونخلص إلى أنّ الروح الرياضية وليدة الإتّزان المطلوب تواجده داخل كلّ شخصيّة انسانيّة. والإتّزان المنشود لا يأتي من جزء عاطفي فقط، فخطورة أحادية السيطرة للجانب العاطفي، أن تحوّل العاطفة إلى تعصّب أعمى لا يفيد إلّا العنف!.

ومن جهتي شرحت في المقال السابق عن سبب تشجيعي لفريق البرازيل، فإعجابي بطريقة لعبه، لا تحرمني القراءة النقدية الموضوعيّة للفِرق من خلال متابعتي للمونديال. فقد وجدتُ الفريق الفرنسي هو الأكثر تماسكًا وانسجامًا بين اللاعبين، وقد تابع خططًا للّعب أوصلته إلى الدور النصف نهائي، وأنا أتوقّع بلوغه النهائي، الّلهم إلّا إن تتالت المفاجآت في مونديال غرائبي، حيث هزمت السعوديّة الأرجنتين، وأقصت اليابان ألمانيا، وتغلّبت المغرب على البرتغال، وقد استنتج أن المونديال هو مونديال “حرّاس المرمى” بامتياز.

ولا أنسى الحارس الكرواتي الذي أقصى البرازيل ببراعته، وغيره، وما أستخلصه في التحليل الاجتماعي لظاهرة بروز الحرّاس والدفاع على حساب الهجوم هو ردّة نوعًا ما للاستسلام لإلى ظاهرة الخوف من الآخر، فتمّ التركيز على الدفاع والذود عن المرمى. لكنّ في تجربة تنظيم عربية لأوّل مرّة، هل تسمح قطر للجماهير العربيّة بأن تقتل الروح الرياضيّة؟ وهل لو فاز المغرب على فرنسا، لانتفضت الأمّة العربية واحتفلت بالانتصار الرياضي كأنّه انتصار للعروبة والإسلام على دولة استعمرت سوريا ولبنان؟ كفانا هراء وضياع.

لو كان لدينا “روح رياضيّة” لما خلطنا اقسام الهوية، لنُعلن فوزًا سياسيًا في ملعب كرة قدم على أرضٍ عربية!! أمّا من جهتي فأتمنى للمغرب أن يفوز بالطبع، ولكن ليس بدافع عروبي وإسلامي.. لكن فقط من باب كسر احتكار الدول التي تصل دائمًا إلى النهائيات وتفوز، فإنّها المرّة الأولى التي يصل منتخب عربي أفريقي إلى مربّع النهائيات، ولكنّ جدارته باللعب وليس هويّته، وبالطبع تحلّيه المُسبق بالروح الرياضيّة في حال هُزم (لا سمح الله). وإلاّ سنكرّر ما قاله زياد الرحباني: “اللي روحه تقيلة.. روحو من وجّو!!!”.

اقرأ أيضاً: الهوية الرياضية بعيدة عن الهوية السياسية – ناجي سعيد

زر الذهاب إلى الأعلى