التعذيب في القوانين الشعبية – أيهم محمود
كيف تقنع رجلاً يضرب زوجته "ليؤدبها" بأن التعذيب ممنوع بمكان عمله؟
أفاقت معظم الشعوب الإنسانية من غفوتها المديدة لتواجه مقولات، تعارض بعمق القواعد الناظمة للعلاقات والتشابكات المعقدة التي تحكم آليات عملها الداخلية، مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، رفض العبودية وتجريم التعذيب، المساواة بين الجنسين، رفض العنصرية العرقية أو الدينية وغيرها من الأفكار التي تجد البشرية صعوبات كبيرة في تمثل هذه القيم على مستوى العالم بأسره.
سناك سوري-أيهم محمود
لقد أصبح الكثير من هذه القيم قواعد عامة وقوانين تميز العصر الحديث، الأمر الفصل في قبول البشر لأي قانون ليس التهديد بالعقوبات الرادعة لمن يخترقه بل قبول الثقافة البشرية العامة به، وشعور الفرد بالخجل إن تجاوز حدوده، دون الشعور بالخجل أو العار من ارتكاب الفعل الممنوع، لا يوجد قانون، من هذه الملاحظة الأخيرة نرى بعض الأمل عبر ذاك الخجل الذي يدفع ثقافات منطقتنا إلى التجمّل ببعض مظاهر الديموقراطية حتى لو كانت فارغة من مضمونها الفعلي، يمتد الصراع الثقافي أيضاً إلى مواضيع شائكة أخرى يتناوب فيها رد الفعل الشعبي بين الخجل من إعلانها وبين الرفض التام لها.
صدر مؤخراً قانون تجريم التعذيب في سوريا، القانون واضح، لا لبس في وضوح مواده وصرامة العقوبات الرادعة التي تطال ممارسي هذا السلوك الشائن، فهل سيساهم هذا القانون فعلاً في توقف هذه الممارسات الشائعة في ثقافة منطقتنا، وفي الثقافة السورية العابرة للتشكيلات السياسية والاجتماعية السائدة فيها.
الغريب في الحالة السورية -سوريا الطبيعية بشكلٍ خاص- هو حالة الخجل والإنكار المستمر لظاهرة عامة تجتاح الثقافة الشعبية في كل مفاصلها وثناياها، هذا الخجل الذي دفع “الجولاني” خلال مقابلة مصورة لصالح موقع “فرونت لاين” إلى إنكار وجود ظاهرة التعذيب الممنهج في السجون الخاضعة له، ليس الشمال الشرقي السوري أيضاً أفضل حالاً من أخوته في بقية المناطق رغم حالة الإنكار العام من قبل الجميع لاستفحال ظاهرة التعذيب في كل أنحاء البلاد.
اقرأ أيضاً: البرلمان يقرّ قانون تجريم التعذيب … وسالم يعد بالبرغل طيلة رمضان
لم تعد بكائيات حقوق الإنسان وإدعاء المظلومية تُقنِع أحداً بعد أن تحول معذبوا الأمس إلى جلادي اليوم حين سنحت لهم الفرصة المناسبة لممارسة ما كانوا ينتقدوه سابقاً، الخلاف البشري العام على مستوى العالم يتمحور حول من يحق له تدمير غيره نفسياً وجسديا دون السماح بالاعتراف بحق الطرف المقابل في ممارسة هذا الأمر.
لايمكن فصل ظاهرة التعذيب في السجون السورية وأماكن الاعتقال المؤقتة أو الدائمة عن ثقافة المجتمع العامة واعترافه الضمني بحق ضرب الزوجة والأولاد على سبيل المثال، كيف نُقنع رجل يضرب زوجته وأطفاله بشكل ممنهج لتأديبهم بأن التعذيب ممنوع بواسطة القانون في المكان الذي يمارس عمله فيه.
كيف يستطيع هذا الرجل ذو الذكورة المتضخمة بفعل ثقافة المجتمع نفسها، استقبال إمرأةٍ مُعنفة تشتكي لقسم شرطة من عنفٍ وقع عليها، بعض حالات ضرب الأطفال في المجتمع السوري وصلت إلى حد الموت فهل نتوقع ممن يستطيع قتل طفله أو زوجته أو أخته، أن يلتزم بمواد قانونٍ يمنعه من ممارسة ما يعتبره حقاً وواجباً يجب ممارسته بحرفية واقتدار لحماية المجتمع.
ما نشهده اليوم على الساحة السورية هو نتيجة لجبن المثقفين عن مواجهة هذه الظاهرة في موطن جذرها الحقيقي، الجذر الثقافي، المثقف الذي يهرب من مواجهة مجتمعه ليحصر نشاطه في المواجهات السياسية مع الخصوم يُصبحُ أداةً تخدم استمرارية أمراض المجتمع، بدل أن يصبح الطبيب الذي يشخص الحالة بدقة واقتدار ليجد العلاج المناسب لها.
تحفل الأدبيات الثقافية بوصفٍ مسهب لنضال البشر في السجون والمعتقلات ضد مخالفيهم السياسيين أو الدينيين، دون أن يتجرأ معظمهم على تعرية الظاهرة كمرضٍ بشري عام، يتوجب علاجه بدل استخدامه في تحويل صورة الآخر إلى وحش تام وتحويل ضفة الكاتب إلى واحة سلام وتحضر، تجبن الأحزاب السياسية ويجبن أيضاً مثقفوا القوالب والأنماط الجاهزة المعلبة عن مواجهة الموروث لذلك تبقى معظم قوانينا حبراً على ورق، فالقوانين التي تتعلق بالحقوق الأساسية للإنسان الفرد هي مجرد طلاءٍ للوجه نستخدمه للظهور العام بمظهر لائق أمام الدول الأخرى.
في بلاد يعتقد الرجل فيها أنه يستطيع قتل أخته وابنته وزوجته، لاعتقاده الخاطئ بإخلالهن بقواعده الذكورية النمطية لا يمكن أن نتحدث لا عن تجريم التعذيب، ولا حتى عن منع التدخين في الأماكن العامة، مثقفونا الغارقون في أحلامهم السياسية -الاستثنائية دوماً ودائماً- ليس لديهم أي وقت للتعاطي مع القضايا التافهة، التي تدمر مجتمعهم عملياً.
فالتعذيب في السجون والمعتقلات أهون على نفوسهم، من مواجهة مجتمعهم أو مواجهة ذواتهم نفسها المليئة بأمراض هذا المجتمع بوصفهم جزءاً عضوياً منه مهما بالغوا في إنكار هذا الأمر، ومهما بالغوا في تجميل صورة وجوههم التي فضحت قُبحها أحداث السنوات الماضية.
اقرأ أيضاً: المواطن السوري الاستثنائي – أيهم محمود