الرئيسيةرأي وتحليل

التحفيز وأثره بعملية التعليم – ناجي سعيد

الحافز هو الذي حرّك آينشتاين ليبتكر نظريّة النسبيّة لا المدرسة التي صنّفته فاشلاً 

التحفيز في المجال الكيميائي يمكن أن نُفسّره على أنّه إضافة جسم ثالث إلى جسمين اعتادا أن يتواجدا معًا دون تفاعل بينهما. وكما وَردَ في معجم المعاني: “مادَّة حفزيّة: مادّة تساعد على تعجيل التفاعل الكيميائيّ وتبقى كما هي بعد انتهائه.

سناك سوري-ناجي سعيد

يستخدم الزئبق كمادة حفزيّة في تفاعلات أكسيد الألومنيوم”. وهذا المثال يفضي إلى فكرة بأن المسار الفردي لكلّ مادّة لا يؤثّر في مجال التغيير الذي تصنعه الموادّ مجتمعة. وليس هذا درسًا أو وعظًا أخلاقي. ولا هدفي الحديث عن أثر الفرد على الجماعة.. بل استخدمت المثل المأخوذ عن المجال الكيميائي، فقط لأتعمّق بحديثي عن فكرة “التحفيز”.

والفرق بين التحفيز في مجاليه الكيميائي (مثلاً) والإنساني الذي أودّ الحديث عنه الآن، يشبه تمامًا الفرق بين سلوك العاقل وغير العاقل. فالمواد الكيميائيّة لا تُدرك التأثير التي تُخلّفه عند تفاعلها مع بعضها البعض، سلبيًّا كان أم إيجابيًّا، وخير مثال “نيترات الأمونيوم” لا تعرف بأن المصلحة العنيفة هي من أضافت مادّة أشعلتها لتُحدث انفجارًا كان جريمة العصر بلا منازع.

ولكنّ في مجال العلوم الإنسانيّة، فمعنى التحفيز لا يأخذ إلّا المسار الإيجابي! فلا أقول: حُفّز فلان ليقتل، أو يسرق..! وهذا يُدعى “تحريض”، والتحريض يُوقظ الشياطين بداخل الإنسان. وقد استخدم التحفيز في المجال التربوي ليحرّك الرغبة في التعلّم لدى طلاّب العلم. وهذا لصالح الإنسان.

اقرأ أيضاً: العنف الانتخابي … عن شراء أصوات الناخبين – ناجي سعيد

واستخدامي مصطلح “تعلّم” يفيد بأن التحفيز ياتي من داخل الذات، ليصبح “تحفّز”. حتّى لو كان مُحرّكه خارجي، فلو لا يلقى صدى من داخل الذات، لانفع له! المعلّم/ة ت/يحرّك من خلال وسائل إيضاح الرغبة لدى المُتعلّم/ة فتتفاعل في الداخل مع عامل يدعى “تحفيز”، فيدفع العقل متعاونًا مع حواس أخرى (السمع والبصر..) لترصد أفكارًا ينظّمها العقل فيتعلّم المتلقّي شيئًا جديدًا! وحيث أنّي أحترف التدريب، وأنا أدعوه “تعلّمًا” لا تعليمًا، فالتعليم يأتي على وزن ” تلقين”. وهذا بعيد كلّ البعد عن التحفيز الداخلي الي نزرعه أو نكشفه للمُتدرّب.

حين قرأت المقال في موقع سناك سوري عن “كاترين يوسف” التي تُتقن ستة لغات بالإضافة للغة سابعة هي لغتها الأم العربية، وهي في طريقها لإتقان الصينيّة (اللغة الأصعب)، أدركت تمامًا أنّها تُحفّز ذاتها ومن الطبيعة أنّ حاجات داخليّة حرّكتّها لتُحفّز نفسها. وحتّى عند وجود “تكنولوجيا” مُتقدّمة تخدم التعليم، فالمدخل للمادة التعليميّة يمتلكه الفرد. الألوان والأشكال والصور الحيّة المتحرّكة، لا تدخل، إلاّ بإذن من يمتلك أُذنين وعينين وعقل يحرّر المعلومة.

الأُذنان والعينان لا يعملان بلونهما وجمالهما، بل بالحافز والرغبة لدى المُتعلّم أكثر من القدرة التي يملكها المُعلّم. فالحافز هو الذي حرّك آينشتاين ليبتكر نظريّة النسبيّة، لا المدرسة التي صنّفته فاشلاً ورسّبته كتلميذ. الوسائل الخارجية مُكمّلة لعمليّة تبدأ من الداخل، فالأعرابي الذي قرأت عنه في إحدى القصص، اشتهر بضربة سيفه التي تفلق الصخر. وقد وصل الخبر لأمير البلاد حينها، بأن فُلانًا يفلق الصخر بسيفه. فاستدعاه الأمير ليختبر هذا السيف. وحين جرّب الأميرُ السيفَ، لم يفلح. فقال الأمير: ويحك يا هذا! إن سيفك لم يفلق الصخر، أتكذب على الناس؟ فأخذ الأعرابيّ السيفَ وضرب الصخرَ بسيفه ضربةً فلقت الصخر، ثمّ قال للأمير: مولاي، لقد أعطيتك السيف، ولكنّ لم أعطيك الساعد!.

وهذا ما نعتمده في التدريب الذي أسمّيه “تعلّم”، نعطي “الساعد” لكلّ من لديه حافزًا أن يفلق صخرة الجهل، لفتح آفاق التعلّم، ورسم مسارًا للتعلّم التشاركي الذي يموت عند أيّ معلّم تلقيني، يُفرغ ما بجعبته ويدير ظهره عن شواردها. في التعلّم، شخص يعطي معلومة لشخصٍ آخر، ليمتلكها الإثنان. أمّا العطاء المادّي، فالذي يعطي مبلغًا لآخر، فالأول يخسر والثاني يكسب، التعلّم يعتمد مقاربة حل النزاع: رابح-رابح.

اقرأ أيضاً: هل يولد الإنسان على فطرة الخير واللاعنف – ناجي سعيد

 

زر الذهاب إلى الأعلى