الرئيسيةتنمويرأي وتحليل

الإعلام.. بناء الشغف – مازن بلال

من عملية “صف الحروف” إلى “هندسة التفكير”!!

سناك سوري – مازن بلال

لنعيد تعريف الإعلام في زمن أصبحت تقنياته خارج مألوف التواصل، وبعيداً عن تصورات أجيال رواد الصحافة الذين اعتبروه “مهنة عليا”، أو حتى التعريفات الأكاديمية التي نقلته وفق تراتبية تطور التقنيات، فالمعيار الذي يمكن اعتماده ليس متبدلا بل يكون ذاته في أي لحظة يحاول الإعلامي الانتهاء من عملية “صف الحروف” إلى “هندسة التفكير”!!
في بداية القرن العشرين أطلقت الصحافة العربية عموما التحول الأساس في طبيعة تفكيرنا، فنسف اللغة التي يتواصل بها النخب، وكانت دينية بمعظمها، وأطلقت حالة رشيقة لكلمات تتراصف لتكون شكلا غير مألوف، وفي بداية القرن الحالي أصبحت الحروف أزمة لأنها غير قادرة على تجاوز الرغبة في كسر المألوف، فانتهى الحدث قبل أن يستطيع أي صحفي وضعه في صورة أو مقالة، وأصبحت عمليات إنتاج الصورة، أو الحرف، عبئا على المجتمع الذي جرفه ظاهرة “ويكليكس” قبل أن تخسر كل الشبكات الكبرى معركتها في الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
عمليا فإن هذا الزخم في التحول الإعلامي لم ينهِ الاختصاص والحرفية، لكنه جعل التحدي مختلف، وعمليات التقصي أو الاستقصاء التي عملت عليها المنظمات لتأهيل الصحفيين في شرقي المتوسط، باتت تحتاج لأدوات مختلفة لأن كشف الحقائق لم يعد بالضرورة مؤثر في سير الحدث، وحتى المصطلحات التي تم ابتداعها، الإعلام التنموي مثالا، أصبحت مهمة رتيبة وغير قادرة على تقديم حالة نوعية وسط عدم القدرة على التأثير العام.

اقرأ أيضاً الجمال التنموي!!! – مازن بلال

أصبح الإعلام اعتيادا ووسائل التواصل الاجتماعي كسرت “الشغف” الذي ميزه في مختلف المراحل، وكلما زاد التخصص الإعلامي ارتفعت معه معدلات الإحباط الاجتماعي من القدرة على استرجاع مكانة الإعلامي، وعلى الأخص في مجتمعات لم تتحول في “النصوص الإعلامية” لحالات نشطة (hyper) وفق الشكل القائم في الصحف العالمية ومواقعها على الانترنيت.
كشف الحقائق لم يعد كافيا وبناء الشغف من جديد يشكل مهمة في مجتمع ما بعد الحرب في سورية، فكل ما يقوله الإعلام يلامس المواطن قبل أي تغطية صحفية، وتفاصيل الحياة لم تعد تنظر إلى “الخطوط الحمر” وأهميتها بالنسبة للإعلاميين، بل لمسارات ترفع “العدمية” التي نلمسها على الأقل في وسائل التواصل، وفي عملية صف الحروف التي تحاول استقصاء ما هو معروف وكشف حقائق يعرفها المواطن بالحدس.
ما يحتاجه الإعلام اليوم هو تجاوز التفاصيل المعروفة ليستطيع المجتمع إدراك أن مشاكله ليست في العلاقة مع القرارات الرسمية بل أيضا في علاقته مع ثقافته المنتهية الصلاحية، ومع عالم لا ينتهي بحدود الأزمة السورية لأنها حدث محكوم بسياقات دولية مختلفة، فالعالم الإعلامي الضيق عليه كسر جدرانه عبر تغير الاهتمامات وربما بناء شغف بعالم الغد القائم على علوم لم يتعامل معها معظم السوريين… عالم تحكمه فيزياء الكموم والاحتمالات في علوم المعطيات الرقمية (data science).

اقرأ أيضاً منظور تنموي… الإصلاح الاقتصادي – مازن بلال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى