سوريون في عرض البحر .. بحارة يشترون الغربة والبُعد برواتب زهيدة
قصص من حياة البحارة السوريين... ماذا يواجهون في عرض البحر وكيف يعيشون؟
انقلبت حياة الشاب “يزن أطلي 22 عاماً” حين أصبح البحر مهنته، وترك عائلته وبلده بحثاً عن مصدر رزق على ظهر سفينة تمضي شهوراً في أعماق البحر والمحيطات.
سناك سوري- ميس الريم شحرور
حكاية “أطلي” مع عالم البحر ليست سوى واحدة من عشرات القصص المشابهة للشباب الذين أحبوا حياة البحّارة. كما عرفوها من خلال حلقات برامج الرسوم المتحركة والمسلسلات. لكن واقع البحارة والعاملين في البحر لم يكن كما تخيّلوا.
رحلة المغامرة والخطر
أحب “أطلي” لقب ” كابتن” منذ سنواته الأولى. صار اللقب يسبق اسمه عندما ينادي له جده وحتى اليوم. درس الشاب في الثانوية البحرية، وكانت تلك البداية لتحقيق حلم الطفولة.
قبل عام خاض “أطلي” أولى رحلاته كجزء من التدريب الذي يسبق تخرجه من الأكاديمية البحرية في اللاذقية.وقال في حديثه لـ سناك سوري « في البحر أنت في مواجهة دائمة مع الخطر واحتمالات الموت الكثيرة. ورغم ذلك حياة البحر جميلة. وفيها الكثير من المغامرات والتجارب التي لا تنسى».
ولفت “أطلي” إلى أن «أعظم العلاقات الاجتماعية تتشكل في عرض البحر في حالات الطوارئ بين أشخاص يجمع بينهم البعد عن أهلهم. فإذا مرض أحد أفراد الطاقم وسط جو البحر الموحش والغربة التي يعيشها. يتناوب البقية على تقديم الدعم والمساعدة والعناية اللازمة من الطعام والدواء له».
اقرأ أيضاً: محمد عائشة وحيداً بالبحر منذ 4 سنوات: وقعّت دون أن أعرف
لا يخفي “أطلي” الضغوط النفسية الصعبة التي تواجه العاملين في البحر. فهو يمضي معظم أيامه متنقلاً من ميناء لآخر ومن بلد إلى بلد دون هوادة. وتفتقد حياته للاستقرار، لكنه يستمتع بمغامراته البحرية التي تغيب فيها الشمس في عرض البحر وتشرق عليه في بلاد جديدة. يتعرّف فيها إلى حكايات الناس وأسرار البلدان والبحارة الذين سبقوه إليها يوماً.
يقول “أطلي” «أجمل لحظة ننتظرها هي اللحظة التي تقترب فيها السفينة من الشاطئ وتلوح فيها موانئ البلاد الجديدة. دائماً نسأل عن الوجهة القادمة للسفينة لمعرفة البلاد التي سنزورها وما إذا كنا نستطيع النزول فيها».
وعن الصعوبات التي يواجهونها قال “أطلي” «البحار السوري مضطهد وممنوع من النزول حتى على أرصفة الموانئ في بعض البلدان. ومحروم من هذه المتعة التي تخفف من عذاب السفر في البحر. المعاملة السيئة تحصل كثيراً في الموانئ العربية أكثر من موانئ الدول الأوروبية».
العمل تحت وطأة الاستغلال
ترك “علي 23 عاماً” جامعته ومدينته “اللاذقية” و رحل نحو البحر. لم يكن يتخيل أن يؤول به الحال إلى غرفة في سفينة ضخمة تحمل أناساً من جنسيات مختلفة. بينما يفكر في الأيام القادمة وما ستحمله معها. بعد أن دفعته الظروف المعيشية الصعبة التي تعصف بالبلاد. إلى البحث عن عمل في البحر لتأمين قوت يومه.
اقرأ أيضاً: الهند: بحارة سوريون يطلقون نداء استغاثة ولا أحد يرد عليهم
يقول “علي” لـ سناك سوري «قديماً كان مسؤولو السفن يبحثون بالسراج والفتيلة في مقاهي المدن الساحلية عن شبان يرغبون بالمغامرة لاستقطابهم للعمل في البحر. أما اليوم لم يعد الأمر كذلك بل صار السفر عبر السفينة حلماً يضطر فيه الشاب لدفع مبالغ طائلة للسماسرة».
دفع “علي” 1500 دولار مقابل حصوله على فرصة العمل داخل السفينة التي يعمل عليها حالياً، فيما يصف عمله بأنه «شراء الغربة والبعد».
يقول الشاب «تخيّل أن تدفع ما يقارب ثلث أجرك الذي ستحصل عليه خلال الأشهر القادمة لتشتري بالمقابل عدم استقرارك وتشتتك وبعدك عن عائلتك. هذا ما نفعله».
مضيفاً «أصعب ما قد يخطر ببالك هو أن تشاهد بشراً يعملون بلا مقابل مادي. بهدف إيصالهم لدول تقدم لهم اللجوء. لقد شاهدنا أشخاصاً قبلوا بأن يكونوا بضاعة ممنوعة تحمل من بلاد إلى بلاد على ظهر سفينة. مقابل الخروج من البلاد».
اعتاد ابن مدينة “بانياس” “قصي 27 عاماً” أسفاره الكثيرة وتأقلم معها. وقال في حديثه لـ سناك سوري «حياة البحر روتينية ومتعبة وتسبب الكآبة وفي كلّ مرة نواجه فيها الخطر يمرّ شريط حياتي وسط المياه. وأتساءل ماذا لو كانت النهاية، لا أجد إجابة شافية، أتخلى عن مخاوفي وأستأنف العمل يداً بيد مع الشباب للنجاة بأرواحنا. فالروح غالية».
اقرأ أيضاً: بحار سوري ينجو من الغرق وعائلته تموت بالزلزال
وعن التحديات التي يواجهها العاملون في البحر أشار “قصي” «رواتبنا قليلة لا تتناسب مع القوانين العالمية للبحار وهناك استغلال كبير من أصحاب السفن لحاجتنا للعمل». معرباً عن أمله بتحسين الرواتب لتتناسب مع حجم المخاطر التي يواجهونها. والاهتمام أكثر بشروط السلامة. لا سيما وأن السنوات الماضية شهدت حالات وفاة بين الطواقم السورية.
البحارة السوريون منسيون بلا حقوق
لا يحظى البحارة السوريون بالدعم الذي يتلقاه البحارة حول العالم. بالرغم من إحداث نقابة للبحارة السوريين العام الفائت بعد سنوات من المطالبة بها، لتنظيم العمل البحري بشكل قانوني يضمن حقوق العاملين فيه بعيداً عن استغلال السماسرة للشباب السوري الذي تدفعه ظروفه المعيشية الصعبة للقبول بأي عرض عمل. دون أدنى فكرة عمّا سيلاقيه. حيث يعرّض الشبان أنفسهم للخطر مرتين، الأولى بالعمل البحري، والأخيرة بالعمل بشكل غير قانوني مفرطين بأبسط حقوقهم.
كما أنهم يمرون في ظروف معقدة فقبل أعوام احتجز شاب سوري في سفينة بمصر وأمضى سنوات فيها. وبعده بقي شبان سوريون عالقون في سفينة ترسو على شواطئ ليبيا منذ قرابة عام إلى اليوم وليس لديهم من يحمي حقوقهم ويخرجهم.