خطاب الوهم في سوريا .. الحل ليس بسيطاً ولن تمطر الأموال على السوريين
الحل يتطلب تنازلات قاسية .. فهل أطراف الحرب السورية جاهزة؟
يسيطر خطاب إعلامي غير رسمي هذه الأيام يقول بقرب الانفراجات والدنوّ من هطول المال على السوريين من حيث لا يحتسبون لتصبح حياتهم وردية بالمطلق.
سناك سوري _ محمد العمر
ومن عتمة التقنين الكهربائي وقلة المياه وضعف الاتصالات وتدني الرواتب. يتلقى السوري خطاب الأمل الذي يحدثه عن الغد. الممتلئ بوعود الوفرة والرفاه وزوال آثار حربٍ دامت 13 عاماً إذ ستزول العقوبات ويندحر الحصار وينتهي الانقسام ويعود كل شيء إلى ما كان عليه بل وأفضل.
خطاب بيع الأوهام ذاك يقوم على المنجّمين/ات والمجهولين/ات الذين يبثون بروباغندا واهمة. تخاطب العقول البسيطة “المحكومة بالأمل” والموعودة بالفرج. بخطاب شعبوي يتمنى الجميع أن يكون صحيحاً وأن تكون حلول الأزمة بسيطة لهذا الحد وأن تعود الحياة إلى اعتياديتها بحيث يصبح همّنا بسيطاً كما كان. لقمة العيش ودراسة الأولاد ومصاريف العطلة وغيرها من الأمور العادية البسيطة التي يعيشها أي إنسانٍ خارج دائرة الحرب.
لا يغفل خطاب الوهم الاستناد على معطيات واقعية. فمثلاً يتم الحديث عن أن فتح معبر “أبو الزندين” بين مناطق سيطرة الحكومة في “حلب” ومناطق سيطرة فصائل المعارضة في ريفها الشمالي. كأنه حدث فارق، رغم أن المعبر طالما كان مفتوحاً لسنوات خلال فترة الحرب ولم يتغير أي شيء.
آخرون، يبنون خطاب الوهم على تصريحات “أردوغان” القائلة بعدم وجود موانع للتقارب مع “دمشق”. بل وحتى لقائه بالرئيس السوري “بشار الأسد” مجدداً. علماً أنها ليست المرة الأولى التي يخرج بها الرئيس التركي بهذه التصريحات فقد قالها قبل سنوات ولم يتغير أي شيء أيضاً.
اللافت أن خطاب الوهم لن يقتصر على الإعلام المحلي. فحتى وسائل الإعلام التركية ومحلليها ذهبت بعيداً في تبسيط الأمر. والحديث عن تقارب سريع بين “دمشق” و”أنقرة” لمحاربة “قسد” وإعادة كل شيء إلى ما كان عليه. بالتوازي مع انتفاضة في الشمال الغربي ضد الأتراك انتقاماً من أحداث عنصرية ضد السوريين في ولاية “قيصري” التركية. علماً أنها ليست المرة الأولى التي يتعرض بها السوريون لعنصرية وحشية في “تركيا”. لكنها أول رد فعل بهذا الحجم يصل لطرد موظفين أتراك من الشمال السوري وإزالة الأعلام التركية.
ثمة شيء يطبخ في الكواليس بدون شك. ولكن الأمر ليس بسيطاً كما يحب أن يروجه مديرو صفحات خطاب الوهم. وليس سريعاً وبغضون أشهر كما يحبوا أن يقولوا لمتابعيهم. ولن يتم في 7 أشهر كما اختارت “ليلى عبد اللطيف” حين سلطنت في تنجيمها. ولا كما يحلو لمن يسمّون أنفسهم “محلّلين” ويروّجون لأمنياتهم أو لما يناسب محاور انتمائهم السياسي أو مموليهم.
حسابات معقدة
الحسابات معقدة في نهاية المطاف. وترتبط بحسابات الإقليم وحرب “غزة” ومعارك الجنوب اللبناني. والمعركة الإيرانية الإسرائيلية غير المباشرة. ونزالات الروس والأمريكان لتحديد القطب الأوحد أو المزدوج للعالم. والتجارة الصينية على طريق الحرير والتطبيع العربي مع الاحتلال وألف ألف قضية ترتبط بشكل أو بآخر بالحرب السورية.
لذا فإن الأمر لن ينتهي بسرعة ولا ببساطة ولا بشكل مجاني. فكل ما سيؤخذ سيكون له مقابل في السياسة أو الميدان. إذ لا شيء مجاني في هذا العالم القائم على المصالح. وقد عرف كثيرون منذ سنوات طويلة أن حل الأزمة السورية يتطلب لا محالة أثماناً قاسية وصعبة من جميع الأطراف. وأن المعادلة تقول بوضوح لا تنازلات تعني لا حل. إذ لا يوجد في الحرب السورية منتصر نهائي وحيد يفرض شروطه على الآخرين ما يقتضي أن يتنازل الجميع معاً للوصول إلى حل ينهي هذه المأساة الممتدة منذ 13 عاماً ولم تنتهِ بعد.