
كشفت صحيفة قاسيون عن قرارات سبق وأصدرتها وزارة الصحة في عهد حكومة تسيير الأعمال، تتضمن رفع رسوم الخدمات المرتبطة بالصناعات الدوائية المحلية، وتحديدها بالدولار، الأمر الذي من شأنه أن يثقل على المرضى الفقراء، الذين لا يطيقون دفع ثمن علاجهم حالياً فكيف بعد رفعها مجددا؟
سناك سوري-دمشق
وكشفت صحيفة قاسيون، أن وزير الصحة في حكومة تسيير الأعمال السابق “ماهر الشرع”، أصدر بتاريخ 19 آذار الماضي سلسلة من القرارات تضمنت تحديد رسوم جديدة على الخدمات المرتبطة بالصناعات الدوائية المحلية، وشملت معظم مفاصل الترخيص والتجديد الدوائي، وسط تحذيرات من آثار كارثية على الصناعة والمستهلك على حد سواء.
ما أثار الاستغراب بشكل خاص هو اعتماد الدولار الأمريكي كعملة لدفع الرسوم المفروضة، في وقت يعتمد فيه القطاع الصناعي المحلي على موارد محلية تتعامل بالليرة السورية.
المعامل التي حصلت على تراخيص ولم تبدأ الإنتاج بعد، فقد أصبحت اليوم تواجه تهديداً وجودياً قد يمنعها من الإقلاع تماماً.
وارتفعت رسوم تجديد ترخيص المعمل من 200 ألف ليرة إلى 1500 دولار، ورسم ترخيص المستحضر الدوائي من 30 ألف ليرة إلى 750 دولاراً، في حين بلغ رسم دراسة الإضبارة 750 دولاراً بدلاً من 15 ألف ليرة فقط.
ولم تقف الزيادات عند حدّ الرسوم التقليدية، بل فُرضت رسوم جديدة على خدمات كانت مجانية سابقاً، مثل تعديل التعبئة أو إدخال مادة إلى اللائحة الوطنية، برسوم تتراوح بين 100 و200 دولار.
وبحسب تقديرات الصحيفة فإن أصغر معمل دوائي ينتج نحو 70 صنفاً سيضطر لتسديد أكثر من 60 ألف دولار لتحديث تراخيصه، ما يعادل نحو 720 مليون ليرة سورية وفقاً لسعر الصرف الرسمي (12 ألف ليرة للدولار)، أما المعامل التي حصلت على تراخيص ولم تبدأ الإنتاج بعد، فقد أصبحت اليوم تواجه تهديداً وجودياً قد يمنعها من الإقلاع تماماً.
تحذيرات من تداعيات كارثية
أصحاب معامل لم تذكر الصحيفة اسمهم، قالوا إن هذه الرسوم أقرب إلى “جباية منهِكة” تهدد أهم القطاعات الإنتاجية في البلد أكثر من كونها رسوماً تنظيمية، وأشاروا إلى أن مبالغ الدفع تُحول إلى حسابات خاصة تابعة لوزارة الصحة، وليس إلى الخزينة العامة.
وحذر أصحاب المعامل من أن هذه التكاليف المرتفعة ستنعكس على تكاليف الإنتاج وبالتالي على سعر الدواء، ما سيؤثر سلباً على المرضى الفقراء، وقالوا إنه يهدد استمرارية الإنتاج المحلي، ما سيدفع المرضى إلى اللجوء نحو الأدوية المستوردة مرتفعة الثمن، أو الأدوية المهربة، والتي تفتقر في كثير من الأحيان إلى معايير السلامة والمأمونية.
نسف لجهود سابقة واتفاقات معلنة
القرارات الجديدة أتت بعد أقل من شهرين فقط على اجتماع عُقد في 29 كانون الثاني 2025، ضم مديرية الرقابة الدوائية والمجلس العلمي للصناعات الدوائية، حيث تم خلاله طرح جملة من المطالب الرامية إلى دعم المعامل المحلية، بما في ذلك تخفيض الرسوم وتسهيل دخول المواد الأولية وتقديم دعم تقني وتنظيمي.
ورغم الوعود الرسمية التي قدمها حينها مدير الرقابة الدوائية في وزارة الصحة، الدكتور إبراهيم الحساني، لدعم الصناعة وتعزيز الاكتفاء الذاتي، إلا أن قرارات وزير الصحة الأخيرة جاءت بعكس تلك التوجهات تماماً، وفق الصحيفة.
أصحاب المعامل وعدد من المعنيين في القطاع دعوا الحكومة إلى التراجع الفوري عن القرارات وفق الصحيفة، كذلك إلى فتح حوار واسع مع المجلس العلمي للصناعات الدوائية، لإيجاد حلول عادلة تدعم الإنتاج، وتحفظ قدرة المواطن على الوصول إلى دوائه، لا سيما الفئات الأشد ضعفاً مثل كبار السن والمرضى المزمنين.
كما طالبوا بإعادة تشكيل المجلس العلمي بأسلوب انتخابي شفاف، وتوسيع مهامه بما يضمن رقابة علمية مستقلة تحقق توازناً بين الجودة والتكلفة، بما يخدم المعامل والمواطن والدولة.

قرارات تربك الاستثمار وتخدم المستورد
وفي تعليقه على القرارات الجديدة، اعتبر الخبير الاقتصادي “جورج خزام” أن رفع الرسوم على معامل الأدوية من نحو مليوني ليرة سورية إلى ما يقارب 60 ألف دولار أمريكي يشكل عبئاً هائلاً على الصناعة الدوائية الوطنية، خاصة في ظل غياب أي دعم حقيقي أو تحفيز للإنتاج.
وقال “خزام” في منشور عبر فيسبوك، إن هذه الإجراءات كان من الأجدى أن تطال السلع الكمالية التي لا تملك أي قيمة إنتاجية، مثل سيارات الخردة المستوردة بعمر 15 سنة، بدلاً من تشديد الأعباء على قطاع دوائي استراتيجي أثبت صموده خلال سنوات الحرب، وحقق الاكتفاء الذاتي، بل وتمكن من تصدير الفائض والمساهمة بعوائد مالية لخزينة الدولة.
هناك من ينتظر هذه اللحظة لإقصاء الصناعة المحلية الوحيدة القادرة على منافسة المستوردات في هذا القطاع جورج خزام – خبير اقتصادي
وأضاف أن رفع الضرائب على معامل الأدوية يبعث برسالة سلبية للمستثمرين مفادها أن تأسيس أي مشروع صناعي جديد في سوريا قد ينتهي بالخسارة، نظراً لكون الرسوم والضرائب المفروضة غير واضحة أو محددة ضمن دراسات الجدوى الاقتصادية، وهو ما يعكس مناخاً استثمارياً غير مستقر وغير جاذب.
وشدد خزام على أن ارتفاع تكاليف الإنتاج الدوائي في الداخل يصب في مصلحة المستوردين، لا سيما أولئك الراغبين في إغراق السوق المحلي بأدوية مستوردة من تركيا، مستغلين تراجع قدرات المعامل الوطنية. واعتبر أن هناك من ينتظر هذه اللحظة لإقصاء الصناعة المحلية الوحيدة القادرة على منافسة المستوردات في هذا القطاع.
وختم بالتحذير من أن الزيادة الكبيرة في الضرائب والرسوم ستنعكس حكماً على أسعار الأدوية في السوق المحلي، ما يجعل كبار السن والمتقاعدين من أصحاب الدخل المحدود الفئة الأكثر تضرراً من هذه السياسات، محذراً من نتائج اجتماعية وصحية خطيرة إن استمر هذا النهج.
يذكر أن أسعار الأدوية ارتفعت لأكثر من 300 بالمئة خلال الأعوام الأخيرة من حكم النظام السابق، ما تسبب بنتائج كارثية على المرضى الفقراء، الذين لجؤوا إلى تقنين دوائهم أو التخلي عنه نهائياً رغم المخاطر.