ناجي عبيد.. الأب العازب يربي 4 أطفال غيّروا شخصيته وطباعه
كسر ناجي عبيد الصورة النمطية وجمع بين الأبوة والأمومة وحياته المهنية
يبدأ صباح الأب العازب “ناجي عبيد” منذ الـ6 والنصف من صباح كل يوم، ليشغل المدفأة ويوقظ أطفاله الـ4. استعداداً لتجهيزهم وإرسالهم إلى المدرسة. وهو الروتين الذي اعتاد عليه منذ أن أصبح المسؤول الرئيسي عنهم وعن احتياجاتهم عام 2022.
سناك سوري- داليا محمد
أكبر أطفاله بعمر الـ13 عاماً، وأصغرهم بعمر الـ5 سنوات، ولا يوجد من يساعده على الاعتناء بهم. يقول “عبيد”، ويضيف أن روتين صباحه يشمل حرصه على تناول أولاده الفطور، ولا يخلو الأمر من “خناقة صباحية” عابرة، على فقدان الأغراض. يقول لـ”سناك سوري: «اجباري لازم واحد فيهم يكون مضيع شي غرض من أغراض المدرسة».
“عبيد” يكون قد جهز لأطفاله زوادة المدرسة التي ابتاعها قبل يوم كالعادة، ويودعهم. بينما ينصرف لإنهاء أعمال المنزل من تنظيف وخلافه. ثم يزور السوق لشراء مستلزمات طعام الغداء فيجهز طبخته قبل أن ينصرف لعمله.
“الشغلة الوحيدة يلي مريحتني إنو دوامي بيبلش الساعة 1 ظهراً للساعة 6 المسا”. يقول “عبيد”، ويضيف أن موعد عمله يساعده على تحضير المنزل والطعام الذي يتناوله الأولاد حين يصلون من المدرسة.
يقول الرجل الأربعيني أنه اضطر لتخفيض نسبة حياته العملية إلى 30 بالمئة لأجل أطفاله. فهو يرى أن الأولوية يجب أن تكون للأبناء بالدرجة الأولى، ولا يوجد ما هو أهم منهم.
مهمة التدريس.. معاناة الأب
أخذ “ناجي” على عاتقه الاهتمام بكل تفاصيل أطفاله والتدريس أحد أبرزها فهو يريد لهم مستقبلاً تعليمياً جيداً.
يقول:«حين أعود من عملي، أبدأ بتدريسهم من الأصغر للأكبر». منتقداً المنهاج المدرسي الذي وصفه بـ”عجيب غريب”، حيث بالكاد يفهم طريقة تقسيمه ولا يجده منظماً للدراسة.
هذا الاهتمام يكون على حساب الحياة الشخصية والراحة أيضاً فهو لا يعرف الراحة بين العمل والمنزل. بل بالكاد يغير ملابسه بعد عودته من عمله لتبدأ رحلة تدريس الأبناء والتأكد من كتابتهم لوظائفهم وفروضهم المدرسية.
اتفاق يوم العطلة.. نوم الأب المتأخر
اتفق الأب وأبناؤه على إبرام اتفاق يوم العطلة، يقضي الاتفاق بترك الأطفال والدهم ينام حتى وقت متأخر. باعتباره يوم العطلة الوحيد. مقابل اصطحابهم في نزهة حين يستيقظ، فإما نزهة بالسيارة، أو مشي في الشوارع، أو مدينة الملاهي أو دمشق القديمة والجامع الأموي.
بينما يخصص يوم السبت لمراجعة الدروس والاستحمام، وتجهيز طبخة كبيرة تكفي 3 أيام. كونها تريح “عبيد” من همّ الطبخ عدة أيام أخرى. كما يقول.
الأب العازب… يهذب نفسه ويحسن طباعه
تختلف حياة “عبيد” عن حياة كثير من الآباء الآخرين، الذين حصروا أنفسهم في صورة رسمها المجتمع لهم. يعملون خارج المنزل، ونادراً ما يقوم أحدهم بمساعدة زوجته بأعمال المنزل أو حتى تدريس الأطفال.
يقول “عبيد”، إن تلك التجربة كانت مهمة جداً في حياته. حيث اضطر لتهذيب نفسه وتحسين طبعه من أجل أولاده. حيث كان في السابق شخصاً عصبياً نزقاً بخلاف اليوم على حد تعبيره.
منذ حدث الانفصال بينه وبين زوجته، و”عبيد” يشعر بالمسؤولية المضاعفة تجاه أطفاله. فهو مضطر للقيام بدور الأب والأم معاً، يضيف: “مضطر قدم حنية الأم وآخد دور الـ2 ليكونوا أشخاص متزنين، خصوصاً إنو الانفصال وقع وكانوا صغار كتير”.
قلق الأب على أبنائه
يواجه “عبيد” العديد من الصعوبات لكنه لا يجدها كبيرة، مثل الشعور بالقلق بحال تراجع أحد أولاده دراسياً. حيث تبدأ هنا عملية جلد الذات، ويقول في نفسه إن تعبه لم يكن بمكانه، «ياريت كنت تعبت أكتر عليه، أو تعب معي زيادة».
وأحياناً يضطر إلى تحميلهم مسؤولية تحضير دراستهم قبل أن يصل من عمله. كما اتفق معهم على الصدق، وأن نجاح أي واحد فيهم يعتبر نجاحاً للجميع، والمهم هو التعاون.
يشير الشاب إلى صعوبات مادية كبيرة أيضاً، ولو أنه لم يؤسس سابقاً عملاً خاصاً “روضة أطفال”. لكان الوضع المادي مزرياً جداً.
وانطلاقاً من تجربته يطالب “عبيد” القوانين بحفظ حق الأبوين بحضانة الأطفال. وهو يستغرب أن يكون من حق طرف أن يحتكر الحضانة لوحده ويرى أن هذا الموضوع يجب أن يخضع للشراكة. وإن لم تنجح فيجب أن يتم تقييمه بشكل منطقي ومحايد ويقدر جهد الأبوين وعلى هذا الأساس تمنح الحضانة لأحدهما.
وينتقد “عبيد” الصورة النمطية التي كرسها البعض أنه لا يمكن الجمع بين الأبوة أو الأمومة والعمل وتحقيق الذات والمستقبل. ويرى أنه استطاع الجمع بين حياته العائلية والمهنية، وبالتالي فإن النساء والرجال يستطيعون القيام بذلك دون أن تؤثر إحدى الناحيتين على الأخرى.
تعلّم “ناجي” طهي كل أنواع الطعام، حتى الملفوف والشيش برك، كذلك لا يغفل إعداد قوالب الكيك للاحتفال بأعياد ميلاد أطفاله.
خلاصة تجربة “ناجي” مع الأب العازب، تقوم على أنه من واجب الآباء القيام بالدورين معاً وعدم حصر أنفسهم بدور العامل الذي يصرف على المنزل ولا علاقة له بشيء. فإنه من واجبهم وبإمكانهم الجمع بين العمل ودور الأبوة وكلما كانوا أقرب من آبنائهم ويؤدون واجباتهم كلما كان تأثيرهم إيجابيا وأصبحوا “آباء فعالين”.