اللاعنف والصفات الواصمة – ناجي سعيد
طريق اللاعنف مُعبّد بقلوب الناس الصادقة وليس بكلامهم الزائف.
سناك سوري- ناجي سعيد
كثيراًً ما يُوصم الإنسان بصفاتٍ تأتي من أناسٍ يتخالط معهم، وقد يكون الناس الواصمون من أهله وأقربائه، أو من المجتمعات التي يتواجد فيها، وبما أن الحديث عن الصفات في فترة الطفولة والمراهقة، فبالطبع تنحصر المجتمعات بالبيئة المدرسية أو “شلّة الأصدقاء”.
وأذكر تمرينًا نفّذناه في مادّة التربية اللاعنفية التي أعطتنا إيّاها د. أوغاريت يونان، وذلك في جامعة “أونور”، ومضمون التمرين أن يتذكّر كل شخص، صفة يُطلقها عليه الأخرون وهو لا يملك هذه الصفة أصلاً.
وأذكر أني تحدّثت عن صفة الخجل التي كان الجميع (أهلي وأصدقائي) يُطلقها عليّ حين يحمّر وجهي، والمسألة العلمية هي أن الاحمرار هذا هو تدفّق الدم إلى الوجه عند الانفعال العاطفي، وهذا مؤشّر بيولوجي يفضي إلى أنّ الإنسان نموّه طبيعيّ، والمشكلّة في تثبيت هذه الصفة المُكتسبة من تعليقات الآخرين بداخل الشخص. نعم فلو لم يُسارع أهل الطفل لمتابعته والعناية به، لانتقلت الصفة معه من مرحلة الطفولة إلى مرحلة المراهقة، ولزمته في شبابه وإلى آخر العمر لو لم يُعالجها، هذا لو كانت سليبة الأثر.
اقرأ أيضاً: التربية وبناء السلام _ ناجي سعيد
والمشكلة التي نتحدّث عنها، ليست مجرّد صفة توصم المرء بحياته، فمن ناحية هوية الفرد، تعتبر صفة خارجة عن رغبة وإرادة الفرد، لترفع رصيد الجماعة التي تقرّر حسب مصلحتها الصفات التي تناسبها، وتحتمي بمظلّة المصلحة العامة (الجمهور عايز كده!!!).
فلو تذكّر كلّ شخص ما هي الصفة الموصوم بها، لكانت جزء من “شبه” قانون جماعي هدفه التقليل من شأن الفرد. لكنّ أي فرد؟ ليس الفرد المُطيع الذي يسوقه المجتمع ويعتقد نفسه حرًّا بخياره، لكن الحقيقة بأنه يُساق بواسطة الماضي اللاواعي، وهذا الماضي بالحقيقة هو مجموع الأفكار والمعلومات التي تتراكم لتُشكّل هويّة فردية يجزم الفرد بأنها من خياره. نعم هذا ما يشعره، لكنّ خياره لم يكن من صنعه. فقد بدأت رحلته الطفولية بمجموعة صفات يقُولها الآخرون عنه. والجزء المخفي، والذي يجعل منه (المراهق تحديدًا) جبهةً يحاربها، هي تربية أهله، والتي يخسر المعركة معهم لو كانت تربيتهم لاعنفيّة. ولو كانت تربيتهم مليئة بالعنف، فلا يحصدون من ردود فعله غير العنف بأشكاله المتعدّدة التي تصل إلى درجة الإلغاء بحسب درجة العنف من إحدى الطرفين.
اقرأ أيضاً: كيف يظهر العنف الأسري وكيف ننهيه _ ناجي سعيد
وفي حديثٍ مع ابنتي، أبدت لي استغرابها من الشجار الصبياني الذي حدث أمامها بين أولاد خالها ( 13 و14 سنة)، وكان تفسيري لها، ليس فقط عن الأمان الذي يفتقده الأخوان المراهقان، بل عن ما توصمهما به عائلتهما. فالجميع، من الأهل والجيران، مقتنعون تمامًا بالتعميم الذي يقول بأنّ سليم مشاكس وسليمان مُطيع. وجديرٌ ذكره بأنهما توأمان، فلا يوجد كبير وصغير، لكنّ أحدهما شديد النحولة والآخر بنيته الجسدية جيّدة. ولست بصدد البحث البيولوجي عن رحلة نموّ التوأم عندما كانا أجنّة. بل ما أذكره في المقال، الصفة (الوصمة) التي تلازم المرء حياته.
وأعتقد بأن سليم وسليمان لن يتخلّصا من الصفات الواصمة لهما طوال حياتهما، وذلك ليس حكمًا بل توقّعًا لمعرفتي بتفاصيل ظروف يعيشها الاثنان، وبالتأكيد مع تمنّياتي بتغييرٍ، وذلك لصالحهما بالطبع بدايةً، وثانيًا لكسر “عقلية” محيط الصبيّين المراهقين، التي لا تؤمن بالتغيير، فكل ما يقول الناس، وتقوله الجماعة شبه مُنزل.
فوصمة الخجل، بقيت على المستوى الشخصي، لكنّ “عقلي” قَلبَ هذه الوصمة جرأةً، استخدمها بشكل عقلاني في عمله التربوي والاجتماعي. لكنّ جرأته باءت بالفشل حين حاول التوضيح لجدّة الصبيّين، بأن سليم المُشاكس لديه القدرة والمهارة على الاعتراض ومقاومة الظلم في الكِبر، أكثر من سليمان المُطيع الذي يستغلونه لخدمتهم، ولكنّه يخسر ذاته التي تفيد المجتمع عند تحقيقها..وكم كنتُ سعيدًا بنقاش ابنتي التي قالت لي بأنهم يقولون عنها “عقّولة وشاطرة”، لكنها تسير بثقة لتحقيق ذاتها دون الخضوع لكلام الناس. فطريق اللاعنف مُعبّد بقلوب الناس الصادقة وليس بكلامهم الزائف.
اقرأ أيضاً: التعاطف مع العنف- ناجي سعيد