الرئيسيةرأي وتحليل

التعاطف مع العنف- ناجي سعيد

مشكلة العنف أنه أسهل في الوصول إلى قلوب الناس.. وهذا ما يُفضي إلى أن اللاعنف طريقه العقل

سناك سوري- ناجي سعيد

عندما بدأت تكوين ثقافتي اللاعنفية، وكان ذلك بمواكبة أهم الأنشطة التثقيفية التي بدأ بها مركز “حركة حقوق الناس”، والذي أسّسه وأشرف على أنشطته المناضلان اللاعنفيان د. أوغاريت يونان ود. وليد صليبي، واللذان فتحا باب اللاعنف في العالم العربي (جامعة أونور)، كان من أحد أهم هذه الأنشطة بالنسبة لي وللعديد من الأشخاص، هو “نادي السينما”.

وقد دأب المركز على عرض ونقاش أفلام مهمة تعرّف باللاعنف وشخصياته من زوايا عديدة، والزاوية التي أبهرتني حينها. هي كيف أنّني كمشاهد لا أفصل بين مشاعري وموقفي من بطل أي فيلم. فيلم “بوني أند كلايد” الذي جسّد قصة الثنائي الأشهر في عالم الإجرام والذي أخرجه للسينما “آرثر بن” في العام 1967، فتتورّط كمشاهد بالتعاطف مع بطلي الفيلم -المُجرمين- وذلك من خلال مسار تبنيه السياسات الإعلامية التي تسوّق لأفلام تجارية عنيفة. ولكن فيلم “بوني أند كلايد” فيلمٌ قيّمٌ، وليس تجاريًا.

اقرأ أيضاً: التطرف ورد الفعل العنفي- ناجي سعيد

وطرح المخرج الجريء هو نقاش داخلي قد يفتحه المشاهد الجدّي مع ذاته. كيف يمكن التعاطف مع بطل الفيلم لو كان مُجرمًا؟ وهذا الطرح غريب لأنه قبل كل شيء يعاكس المألوف. فاعتادت الناس أن تنجرف مع البطل بمعزل عن ارتكابه للعنف. وهذا ما يرسّخ في عقول الناس صورة البطل السائدة، وتربط البطولة بالقوّة، وتثبّت عند الناس مفهوم القوّة بالعنف.

وبالتالي تنتصر شائعة بأن اللاعنفي هو إنسان جبان ومتخاذل. مع العلم بأن التجارب التاريخية من غاندي إلى لوثر كينغ وغيرهم، تُثبت بأن المناضل اللاعنفي يمتاز بالقوّة والجرأة في مواقفه المُنحازة لصالح العدالة والإنسانية.

وتأتي الحرب الإعلامية التي تدمّر البناء التربوي اللاعنفي. فمن بديهيات اللاعنف أن يفصل الإنسان بين مشاعره وحاجاته ومواقفه. وحين نعمل في المجال التربوي لرأب هذا الصدع الناتج عن خلط المفاهيم يترك أي فيلم تجاري عنفي أثرًا سلبيًّا وبشكل أقوى على عقول الناس.

اقرأ أيضاً: العنف البصري_ ناجي سعيد

وهذا الأثر هو نوعٌ من المساهمة في التسويق للّاعنف، وأيضًا للتسويق لصورة بأن البطل دائمًا هو الإنسان الذي يضرب ويقتل..ويلغي الآخر. إن الإنسان القوي حقيقةً هو من يعبّر عن رأيه المعارض دون أن يلغي الآخر ورأيه. وببساطة فإن المخرج “آرثر بن” وإن كان غير مُعلن عن لاعنفيّته، لكنّ مضمون فيلمه هو مسار صحيح يبني تربية لاعنفية تؤسّس لإنسان اللاعنف، الذي يتطلّب خطوات مختلفة.

وأكثر الخطوات تأسيسًا للّاعنف تبدأ في المجال التربوي، وبتعاون مشترك بين المدرسة والبيت للأطفال، ليتمكّن لاحقًا بعد ذلك (عندما ينضج) الإنسان من قدرة الفصل بين حاجاته ومشاعره. فمن الضروري عند مواجهة أي موقف أن يتصرف وفقًا لحاجاته وهذا مسار عقلاني، وأن لا ينقاد وراء قلبه الذي يجرّه إلى ردّ الفعل المتهوّر والذي يقود حتمًا إلى العنف. ولكي يعود هذا المقال بالنفع على قارئه، لا بد من الاعتراف بأن الصعوبة في فهم المغزى من الفيلم الذي ذكرته بدايةً “بوني أند كلايد”، فبقصد انتقاد ما هو شائع بتعاطف المشاهد مع البطل العنيف، أخشى أن لا يصيب مغزاه فيتعاطف المشاهد حقًّا مع البطل العنيف. فمشكلة العنف أسهل للوصول إلى قلوب الناس، وهذا ما يُفضي إلى أن اللاعنف طريقه العقل، وهذا ما يبعده عن الناس، فطبيعة الناس أقرب إلى السهل والسريع، وهذا سهّل انتشار الدليفري وال فاست فوود!!!

اقرأ أيضاً: الخسارة والرد بالكراهية_ ناجي سعيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى