
النكتة الحمصية.. ماذا تعرفون عنها ومن أين أتى عيد “الأربعاء”؟
سناك سوري – حسان ابراهيم
لطالما ارتبط اسم “حمص” بالنكتة، حيث لم تكن تخلوا نكات السوريين من عبارة “مرة واحد حمصي” إلا فيما ندر، حتى أن يوم الأربعاء في سوريا يقال إنه “عيد الحماصنة” وهو مرتبط بالضحك والدعابة والمرح…إلخ.
لكن خلال السنوات العشر الماضية تراجعت النكتة الحمصية مع ضيق فسحة الحياة في عاصمة النكتة السورية “حمص”، حسب ما أكده “محمد خير الكيلاني” المعروف بحكواتي المدينة ويعود ذلك برأيه للخوف من المجهول الذي ساد نفوس أهاليها مع وجود صوتٍ واحدٍ كان يملؤ سماء المدينة، ألا وهو أصوات الرصاص والانفجارات التي كانت الموضوع الأساس فيما يتحدَّث به سكانها، حيث أصبحت نفوس الناس وأحاديثهم انعكاساً لمشاهد الخراب التي تعمُّ قسماً كبيراً من المدينة، وإن وجدت نكتة ما فهي تحمل نقداً لهذا الواقع في مجملها، ووسائل التواصل الاجتماعي باتت الوسيلة الأوحد والأوسع لانتشارها بينهم.
ويضيف:« أنَّ النكتة لم تكن تغيب عن أحاديث أهالي ‘‘حمص’’ قديماً حتى في أحلك الظروف وقد يصحُّ فيهم المثل القائل: «”من وهج القفص غنى ورقص” يعني من حالة الضيق تتفجر عند ‘‘الحمصي’’ النكتة خاصةً في ظل هذه الظروف الصعبة من قلة الغاز والمازوت والكهرباء تجده (بايعها) وإن سئل عن المستقبل فجوابه (أكتر من القرد الله ما مسخ وللبلي) وهذا دليل سخريته من القدر الحالي لحياته ونظرته للمستقبل، والمميز فيه هي حالة (الجدبة) الفكاهية لديه إن شعر بأنه وضع في موقف محرج».
اقرأ أيضاً:نشرة أسعار حمصية أخي المواطن.. وأهم شي الكحول الإيتيلي (وبتقولوا ما عم نشتغل)
ماقصة يوم الأربعاء؟
ما يتبادر للذهن سريعاً ربما هو يوم الأربعاء المحسوب على ‘الحماصنة’’ كيوم عيدٍ لهم، ورغم تعدد القصص والأحاديث التي عللت ذلك، إلاَّ أنَّها تبقى بلا مصداقية بحسب كلام الدكتور ‘‘عبد الرحمن البيطار’’ رئيس الجمعية التاريخية السورية في المدينة والذي يضيف: «موضوع النكتة ‘‘الحمصية’’ ليس له أيَّة إثباتات ووثائق تاريخية تشير إليه، قد تكون الأمثال الشعبية المتوارثة في “حمص’’ بشكلٍ خاص وراء ذلك لما فيها من النكتة والطرافة والاستهزاء، كما أن الطبيعة التي يتمتع بها سكان المدينة من بساطة العيش واستسهال الحياة ربما ساعدت في انتشار ذاك الصيت عليهم، فهم ليسوا من أصحاب الطبع النكد والمقيت وهذه حقيقة يلمسها كلُّ من عاشرهم».
اقرأ أيضاً:“عيد الغطاس”.. الأهالي يغطسون في المياه الباردة ويتركون منازلهم مفتوحة
النكتة الحمصية عبر التاريخ
انتشار روح النكتة عند ‘‘الحماصنة’’ يعود حسب رأي المؤرخ والباحث التاريخي “محمد حسين آغا” لفترة ما قبل الفتح الإسلامي للمنطقة، حيث سكن مدينة ‘‘حمص’’ “اليمانيين’’ بينما كان سكان مدينة “حماه” من ‘‘القيسيين’’، وكانت هناك حروب طويلة ومستمرة بين الجانبين أساسها الخلاف على اقتسام مياه نهر ‘‘العاصي’’، ومع الدخول في الإسلام عمَّ الصلح بينهما، وتحولت حربهم لحربٍ كلاميةٍ تحمل طابع الاستهزاء من طرفٍ لآخر، تطورت مع مرور الزمن لتصبح متعلقة بأمورٍ سطحيةٍ كالمأكل والمشرب، وقد برز من الجانب ‘‘الحمصي’’ الشيخ والشاعر الصوفي ‘‘مصطفى زين الدين’’ أمَّا من الطرف ‘‘الحموي’’ فكان الأبرز هو ‘‘الهلالي’’ أحد الشيوخ والشعراء الصوفيين المشهورين في نظم الموشحات، فكانوا ما أن ينظم أحد الطرفين قصيدةً مستهزئةً بالآخر حتى يسارع الثاني بالرد عليه بما يشبهها.
ويتابع :«مما قاله الشاعر ‘‘الحمصي’’ مثالاً (عقولنا مسبية بالكبة الصينية .. والسمن منها يجري سحائباً سخية ..أدر لي كأس الراح من دهنه السيّاح .. فقد نفت أتراحي نفحاته العطرية) هذا دليلٌ على روح الفكاهة الحاضرة عند ‘‘الحماصنة’’ والتي ساعدت بتعميقها طبيعة الأرض الطيبة وعمل السكان بالزراعة مما انعكس على سمات عيشهم من البساطة وراحة البال، و جعلهم أصحاب روحٍ سمحة وهانئة محبة للضحك والطرافة، وقد توارثت الأجيال تلك الطبيعة من خلال شخصيات مشهورة عاشت أوائل القرن العشرين الماضي من أمثال ‘‘أبو ناظم البابا’’ و ‘‘عبد الحسيب السباعي’’ وغيرهما من أصحاب المجالس في السهرات التي كانت تجرى في البيوت، حيث كانوا من أصحاب الفكاهة والنكتة العفوية، ونكاتهم متداولة بين الناس كلما صدر جديد منها»، مؤكداً أن ظهور وسائل الإعلام ساعد في زيادة انتشار النكتة الحمصية خارج المدينة والبلاد.
اقرأ أيضاً:عالواقف حضر جمهور “حمص” مهرجان الثقافة الموسيقية العائد بعد انقطاع
ربما هناك من هم في حمص لا يحبون ارتباط النكات بمرة واحد حمصي، لكن كثير من السوريين اليوم يتمنون لو تعود ذكريات النكتة، وتعود عبارة “هات احكيلنا آخر نكتة حمصية” إلى أحاديثهم ولقاءاتهم، فهم لطالما كانت حمص مصدر ابتسامة لهم، فهل تستعيد حمص نكاتها وتعيد البسمة للسوريين وتتغلب على إرث مؤلم فرضته سنوات الحرب بالنكتة والابتسامة.