الرئيسيةرأي وتحليلشباب ومجتمع

المدراء الذين لم يحصلوا على تربية سليمة قد يمارسون العنف – ناجي سعيد

قل لي كيف ترّبى مُديرك في عائلته أقل لك كيف سيعاملك

“وتحسبُ أنّكَ جرمٌ صغيرٌ وفيكَ انطوى العالم الأكبرُ”، عند قراءة هذا البيت، قد يتراءى لك، بأنّه يحاكي الوجود وقضايا الخالق وخلقه. أمّا أنا فبعد خبرتي التربوية التي اكتسبتها خلال تجربتي المهنية في مجال التربية والتعليم، فأرى بيت الشعر هذا، يوضح بأن أي إنسان هو نتاج لبيئة ينمو ويترعرع فيها. وعذرًا على استخدام مصطلح “نتاج” الذي يوحي بأن الحديث عن سلعة ما، وهذا ما يبعد الناس عن معرفة وتطوير ذواتهم.

سناك سوري-ناجي سعيد

فمعظم الناس هم “أناس آخرون” أي ليسوا مسؤولين عن تربية أنفسهم. فالتربية السليمة لا تسمح للفرد أن يُفلت زمام الأمر لمزاجه الشخصي، أو طباعه الحادّة، التي تُنتج “عصبيّة” تولّد عنفًا يتكاثر إلى ما لانهاية.

وقد بدأت ببيت الشعر هذا، لأسلّط الضوء على ضرورة التواؤم والانسجام بين الداخل والخارج تربويًّا. وهذا الأمر التربوي يطبع حياة الإنسان وشخصيّته طوال حياته، الّلهم إلاّ إذا أراد التغيير. فمدير شركةٍ ما، قد يُعنّف موظّفيه، لو كان “نتاج” عائلة، تحمل تناقضًا واضحًا من خلال أب يُعنّف وأم تُدلّل، وهذا الخليط كمن يأكل سمك ولبن، أو يغمّس الخسّ بكوب الشاي ليقرمشه!.

أغلب الناس لا يعنيهم المسار التفصيلي، فمعظمهم يأبه بالنتيجة فقط. وغايتهم الوصوليّة تُبرّر الوسائل، والطريق الأعوج الذي يصل سريعًا دون معايير قِيميّة. وبعيدًا عن التنظير، وربطًا بالجرم الصغير الذي لا نُعيره اهتمامًا وهذا ما يجعل العالم الأكبر ينطوي على مجموعة من العقد النفسية أو أقلّ من ذلك، كالطباع الحادّ والمزاج العصبي الذي تناقل من الأب والأم إلى الأبناء، ليظنّ حامل هذا السلوك الخاطئ نفسه مصيبًا وقد أعمت أبصاره سترة المدير الذي يرتديها!.

فالمنصور حاكم الأندلس في القرن الثاني عشر، أمر بإحراق كتب الفيلسوف العظيم ابن رشد، لأنّ كتبه المُهمّة لا تعني المنصور، بل ما عناه فقط بأن تهديد هذه الكتب لعرشه الموروث. الكرسي المُذهّبة تلغي الموضوعيّة ومعايير محاسبة ذات “المدير” الجالسة على الكرسي.

تقبّل برنارد المدير السابق لجمعيّتنا (حيث أعمل) الملاحظة من شادي موظّف المالية حين قرّر الاستقالة، ففي قانون العمل يتمّ الإعلان عن الوظيفة الشاغرة ضمن مهلة محدّدة. وقد خالف برنارد هذه المهلة، ليُعلن مُسبقًا، وقد اعتذر المدير من الموظّف، وبكلّ موضوعيّة واحترام تراجع برنارد عن خطئه. الموضوع بسيط إذا ما فصلنا المستوى الشخصي عن المستوى المهني.

اقرأ أيضاً: الأزمة وطيبة البشر – ناجي سعيد

ولذا فقد أجزم بأن الموضوع تربوي بامتياز، حيث لا يفقه الناس حقوقهم عامّةً. فالموروث المُجتمعي، كرّس ذكوريّة تعطي الأب الحق في تعنيف زوجته وأولاده. وهذه المشكلة قديمة وملتصقة بثقافة الناس من دون الجرأة على التغيير فالشائع بحسب إعلان تلفزيوني شهير وأصبح قانون تبريري: “شو وقفت عليّي”!!! تقليد الآخرين الأعمى تعمّده الثقافة الجمعية بحجّة المثل الشعبي التي كانت أمّي تقنعني بعدم فائدة التغيير: “حطّ راسك بين الروس وقول يا قطّاع الروس”!.

صديقي الذي أحبّ زميلته في العمل، لم يتأخّر أو يُقصّر في عمله ومثله هي، بل كانا مُخلصين للعمل. فحُبّهما الذي أثمر ارتباطًا وعائلة جميلة لاحقًا، لم يكن ليلهي أحدهما عن عمله. وكانا يلتقيان خارج إطار العمل. وهذا لم يمنع مديرتهما من التجسّس عليهما خارج إطار العمل، حيث كانا يقضيان وقت الفراغ خلال ورشة عمل أُرسلا إليها سويًّا. فالمديرة صادرت مساحتهما الشخصيّة لتكيل عليهما التهم اللاأخلاقيّة بحجّة واهية، “مقضّيين وقتكم عم تحبّوا بعض!!”.

صديقي وزوجته الحاليّة (حبيبته حينها) لا يعانيا من أي مشكلة في التربية. فهما قد فصلا الحياة الشخصيّة عن المهنيّة.

والدليل القاطع على ابتذال الموضوع، الذي نراه في سيناريو العديد من المسلسلات التلفزيونيّة المبتذلة، وتلاقي نجاحًا ورواجًا، في ظلّ غياب رقابة إعلاميّة! الحلّ ليس بعيدًا، فمن ناحية، هناك متابعة نفسية لكل موظّف بشكل فردي (كوتشينغ) ومتابعة جماعيّة للفريق (تيم بيلدينغ أو بناء الفريق)، وهذا الأمر أنصح به في كلّ مؤسّسة تجارية أو غير ذلك، فكيف الحال في المؤسّسات التي تعمل في المجال التربوي الإنساني! فلو تحسب نفسك جرمٌ صغيرٌ، أصلحه كي تنطوي فيك المؤسّسة، أو العالم الأكبر.

اقرأ أيضاً: حق المسؤول بالاستقالة – ناجي سعيد

زر الذهاب إلى الأعلى