صلح عشائري بحضور رسمي بعد قتل عنصر أمن .. أحكام ما قبل الدولة بدلاً من القضاء
هل تسقِط الديّة والنفي الأحكام القضائية؟ وهل تقبل الدولة استبدال المحاكم بمجالس الصلح العشائري؟
انعقد في مدينة “طفس” بريف “درعا” اليوم صلحاً عشائرياً لحل خلاف بين عائلتين أودى بحياة شابين، وتم الاتفاق على أحكام لحل الخلاف خارج سلطة الدولة والقانون رغم الحضور الرسمي لمسؤولين محليين وقياديين في الأمن الداخلي لمجلس الصلح.
سناك سوري _ متابعات
ونقل موقع “درعا 24” أن الصلح الذي عقد اليوم في “طفس” جاء إثر حادثة قتل الشاب “أحمد يوسف البردان” في 12 حزيران الماضي، حين تم إطلاق النار عليه قرب مساكن “جلين” ما أودى بحياته، وأسفر عن اندلاع اشتباكات بين ذويه من جهة وآخرين من آل “البردان” من جهة أخرى.
وأودت تلك الاشتباكات بحياة الشاب “محمد معتز البردان” وهو ابن عم “أحمد” وكان طرفاً في المواجهات المسلحة.
وتم الاتفاق بحسب المصدر على دفع دية بلغت 60 ألف دولار لعائلة الشاب “أحمد” و50 ألف دولار لعائلة الشاب “محمد”، بالإضافة إلى خروج عدد من الأشخاص المتورطين في الحادثة من المدينة لمدة عام، ضمن اتفاق يهدف لإنهاء الخلاف وحقن الدماء بحسب المصدر، الذي أشار إلى أن مجلس الصلح تم بحضور وجهاء وشخصيات محلية وأطراف الخلاف، إلى جانب حضور “هيئة الإصلاح” وقيادات من الأمن الداخلي ومسؤولين محليين.
هل تسقط الديّة عقوبة قتل عنصر أمني؟
حادثة إطلاق النار التي أودت بحياة عنصر الأمن الداخلي “أحمد البردان” في 12 حزيران، كانت ضمن اشتباك دورية للأمن الداخلي مع “مجموعة مسلحة خارجة عن القانون” بحسب ما وصفتها صحيفة “الثورة” الرسمية.
وأعلنت مديرية الأمن الداخلي حينها حظر تجول في بلدة “المزيريب” ومنطقة “مزارع العجمي” في إطار بحثها عن المطلوبين.
وفي 13 حزيران، نقل موقع “درعا 24” أن “ميلاد البرازي” الملقب “أبو راشد” سلّم نفسه للشرطة العسكرية بعد الحادثة، حيث يتهم بقيادة المجموعة التي هاجمت الدورية الأمنية وتم نقله إلى “دمشق” لاستكمال التحقيقات.
وفي 17 حزيران أجرى محافظ درعا “أنور الزعبي” زيارات ميدانية لأهالٍ تعرضوا لتجاوزات أمنية رافقت عملية ملاحقة المطلوبين في القضية، ووعد بمحاسبة المسؤولين عنها باعتبار ذلك من صميم واجبات الدولة وأحد ركائز سيادتها بحسب بيان المحافظة حينها.
وتجددت الاشتباكات في آب الماضي بين عائلتين من آل “البردان” حيث ذكر موقع “درعا 24” أن ذوي الشاب “أحمد” طالبوا بترحيل عائلة “راشد البردان” المتهم بقتل ابنهم من البلدة، وأشار المصدر إلى أن “راشد” موقوف لدى السلطات منذ وقوع حادثة القتل.
لتختلط الأسباب والدوافع بين الخلافات العائلية من جهة، واستهداف القوى الأمنية من جهة أخرى.
في حين، لم يشِر الخبر عن “الصلح العشائري” و”دفع الديّة” إلى أي معلومات حول المحاسبة القانونية عبر القضاء للمتهمين في جريمتي القتل والمشاركين في الاشتباكات المسلحة والهجوم على الدورية الأمنية.
أحكام خارج سلطة الدولة
رغم أن هذه المجالس باتت حالة شائعة، والهدف منها حل الخلافات التي تنشب في المناطق، إلا أن صيغة وجودها تعيد إلى الواجهة أنماط “ما قبل الدولة” في حل النزاعات.
اشتباكات خلال مداهمة أمنية تودي بحياة عنصر من الأمن العام في درعا
واللافت هنا، أن الأمر تم بحضور رسمي من مسؤولين محليين وقيادات أمنية، رغم أن الضحية الأول عنصر أمني، ما يستوجب إجراء محاكمة رسمية لمقاضاة المتورطين بقتله، علماً أن القانون السوري لا يضم في نصوصه مادة واضحة عن “دفع الديّة” إلى أن ذلك تحوّل إلى عرفٍ شائع يقابله إسقاط الحق الشخصي لعائلة الضحية، لكن ذلك لا يسقط الحق العام.
ويظهر المشهد خطورة التقبّل الرسمي للاحتكام إلى مجالس صلح عشائري بدلاً من اللجوء إلى القضاء والاحتكام للقانون السوري، الذي لا ينصّ على ديّة ولا إبعاد من المدينة، وغيرها من الأحكام العشائرية.
والمستغرب في هذه الحالة، أن بيان المحافظة تحدّث عن واجبات الدولة وركائز سيادتها في محاسبة مرتكبي التجاوزات الأمنية أثناء ملاحقة المطلوبين، فيما تعدّ محاسبة المطلوبين أيضاً ضمن واجبات الدولة وركائز سيادتها، علماً أنه لم يتبيّن مصير الموقوفين “راشد البردان” و”ميلاد البرازي”.
كما تطرح هذه القضية أسئلة حول مدى شرعية هذه الأحكام الصادرة عن مجلس الصلح، وصلاحيات الجهة التي ستعمل على تنفيذها، وموقف الدولة من الاحتكام لجهات غير قضائية وغير رسمية في مسائل كبرى تصل لجرائم القتل بما في ذلك قتل عنصر أمن.







