تشابك الإدارات العالمية – أيهم محمود
من يريد دعم دولي كيف يطعم أفواه منطقته الجائعة مع تأمين مصالح الدول الداعمة؟
كتب الباحث السوري “محمد صالح الفتيح” في صفحته على الفيسبوك تعليقاً على تطورات الأحداث في السودان بعد ٢٨ يوم من الإنقلاب العسكري جاء في نهايته خلاصة مميزة صاغها كما يلي: “إذاً هناك درسان مهمان: الأول، الرهان على صفقة سياسية دولية وحيدة (التطبيع مع اسرائيل، في حالة السودان) -لكي تفعل كل ما تشتهيه- هو مجرد أحلام عصافير، وإن كانت تلك العصافير تحمل نجوماً ونسوراً على أكتافها، الثاني، الإقتصاد هو الأساس، يمكنك أن تكون حاكماً فاسداً وطاغية إن نجحت بإبقاء الإقتصاد عائماً لكن لا يمكن أن تكون طاغية وفاسداً باقتصاد متوفي سريرياً”، انتهى الاقتباس.
سناك سوري-أيهم محمود
يمضي تشابك العالم مع بعضه البعض خطوات متسارعة إلى الأمام، تعاني بعض دول العالم من تدفق أعداد هائلة من اللاجئين إليها نتيجة فشل بعض إدارات الدول في قضايا التنمية الاقتصادية وفي قضايا تحقيق الأمن وتحقيق الحد الأدنى من الحريات اللازمة لاستقرار الإنسان وضمان استمراره في الإنتاج والعطاء الفكري والعضلي، في المقابل عانت دول أخرى من فرض أنماط قسرية عليها في مجال الصحة على سبيل المثال لا الحصر تتوافق مع احتياجات عدة دول غربية دون أن يكون لها رأي خاص مستقل في قواعد التعامل مع الأمراض المنتشرة عالمياً.
لقد تم فرض قواعد صارمة قد لا تكون بالضرورة صحيحة أو مناسبة لطبيعة كل المجتمعات الإنسانية، تعتقد إدارات الدول بحقها في فرض أنماط قسرية على الآخرين تتناسب مع آلية تفكيرها وتحليلها لمشكلات الحياة، هذا أمر فرضه واقع التحطيم الرقمي للحدود الدولية وتحول الإعلام الرقمي إلى كتلة واحدة متشابكة، لم يعد هناك إعلام وطني مستقل ذو قيمة، كل العالم الآن يناقش مشروعية التصريحات الداخلية للرئيس الفرنسي في مسألة التضييق على مناهضي اللقاح وكأنها قضية تخص بلدانهم المختلفة، كذلك هو الحال مع تصريحات الرئيس الأمريكي، أو تصرفات الرئيس الروسي، أو أي إجراء حكومي في دول الشرق الأوسط وغيرها.
اقرأ أيضاً: تمييز العاصمة .. المركزية السلبية المفرطة – أيهم محمود
يُدرك عدد متزايد من البشر مسألة ضياع الحدود التي تفصلهم فكرياً على الأقل، مازالت تلك الحدود الجغرافية قادرة على منع أجسادهم من التحرك خارج نطاقات محددة لكن بالتأكيد توجد صعوبات بالغة في عملية كبح حركة الأفكار والمواقف، وهو ما يزيد ضغط العمل على الإدارات العالمية للبلدان ويدفعها بشكل قسري للتعاون فيما بينها حتى في حال العداوة الشديدة، المصالح طويلة الأجل هنا أهم من الخلافات الآنية الموضعية، توجد محاولات عديدة للحفاظ على ما تبقى من حدود الكيانات الدولية رغم قوة العناصر التي تعمل على تفتيتها، هي مقاومة اللحظات الأخيرة التي قامت بها الاقطاعيات الكبرى في محاولةٍ يائسة للبقاء قبل أن تمحو حدودها المصالح البرجوازية الناشئة التي احتاجت إلى المزيد من المساحات المفتوحة وإلى المزيد من الاندماج السكاني الثقافي بل حتى الجسدي، ربما هذا ما نشاهده حالياً لكن على مستوى الدول، لقد أصبحت الحدود السياسية الحالية عائقاً حقيقياً يواجه احتياجات عملية التطور البشري.
نعود مرة أخرى إلى تعليق الباحث محمد صالح الفتيح في البند الذي يتعلق بالاقتصاد، كثير من الدول -إن لم نقل كل الدول- التي تدعي الديمقراطية ظاهراً تدعم بقوة ديكتاتوريات عنيفة بالغة القسوة متذرعة بحدود الممكن السياسي أحياناً، وبالاعتراف الصريح بمصالحها الاقتصادية المباشرة في أحيان أخرى، يُطلب من هذه الإدارات المحلية تحقيق نوع ما من التوازن الاقتصادي الداخلي، الأمر يشبه عقد المناقصة، أفضل إنجاز مقابل أقل سعر ممكن، يُسمح بالتأكيد ببعض الغش، لكن لا يُسمح بأن يتم خرق كل المواصفات الفنية للمنتج النهائي لأنه سينهار لاحقاً أو سيفقد مهامه التي تم توقيع عقد المناقصة من أجل تحقيقها، الفشل هنا مرادف لولادة أزمة عالمية يتأثر بها الجميع فكرياً قبل اقتصادياً.
مازال هناك وعي منخفض لدى الكثير من الطبقات الحاكمة ولدى الكثير من الكيانات المعارضة لها لهذه الجزئية الهامة، ولّى عهد الانقلابات العالمية المعزولة التي تؤمن مصالح الدول الكبرى مقابل حصولها على الدعم السري أو العلني لبقاء هذه الانقلابات التي تغامر وتعرض بضاعتها للاستثمار العالمي، أصبحت طروحاتها السياسية فجة تثير حفيظة الغرب مع أنها سابقاً كانت تثير شهيته وتثير تنافس وحداته المختلفة، يستغرب قادة الانقلابات هذه التحولات دون أن يستطيعوا تشكيل فهم متماسك وجيد للمتغيرات العالمية الحالية.
اقرأ أيضاً: أوهام الإنجازات العظيمة .. سِجن الحكومات – أيهم محمود
من يريد كسب دعم دولي عليه أن يقدم وصفة قابلة للتطبيق لإدارة المنطقة التي يريد حكمها، كيف يستطيع إطعام كل هذه الأفواه الجائعة في منطقته مع استمرار تأمين مصالح الدول الداعمة له، ما هي الخطط والبيانات اللازمة التي يملكها لتحقيق هذا الأمر، هناك إدراك عالمي متزايد لحاجة الجنس البشري إلى تغيرات إجتماعية شاملة، لا يكفي أن نغير مدير المصرف ليتغير سلوك المصرف تجاه عملائه، لن تنفع الأوامر والتهديدات الموجهة للموظفين ورؤساء الأقسام في جعلهم يبتسمون بلطف للعملاء.
الموظفون هم من يديرون في الواقع العمليات المصرفية الداخلية وإن كانوا غير راغبين بتغيير سلوكهم اليومي لا توجد قوة تستطيع إجبارهم على فعل ذلك، لذلك تفقد عروض بعض القادة في مواقع الحكم أهميتها العالمية بشكل متزايد، ولذلك أيضاً لا تنجح الكيانات المعارضة لأنظمتهم في الحصول على الاهتمام العالمي بحديثها، العالم تغير في غفلةٍ منهم، ولا أعتقد بوجود قدرات كافية عند أكثريتهم لتحليل وفهم لغة السياسات المستقبلية في السنوات القليلة القادمة.
اقرأ أيضاً: ما هو المال وماسبب وجوده؟ – أيهم محمود