المنظومة العلمية وإغواء الشهرة – أيهم محمود
في فورة الشهرة والإعلام الذي يضغط على المنظومة العلمية.. ينهار الكثيرون
سناك سوري – أيهم محمود
إحدى أهم المجلات العلمية والتي تبدو شبه يتيمة عندما يكون معيار المقارنة حجم الانتشار والرصانة العلمية في صياغة ترجمة المحتوى هي مجلة العلوم التي كانت تصدر من الكويت، في إحدى المقالات التي تتحدث عن الطاقات المتجددة وخاصة ألواح الطاقة الشمسية طرح الباحثون سؤالاً مهماً للغاية: ما هي الطاقة اللازمة لتصنيع منظومة الطاقات المتجددة وما هي الطاقة التي نستخرجها منها خلال فترة عملها، وأنا أضيف بدوري هنا نقطة هامة نعرفها الآن ونعاني منها في مسألة النفايات البلاستكية: ما هو مقدار الطاقة المطلوبة لإعادة تصنيع مواد الألواح وعدم تركها نفايات تخنق كوكب الأرض كما فعلنا مع المواد الخطرة الأخرى التي قد يستغرق تحللها عشرات آلاف الأعوام.
مقدار الطاقة الفعلية التي نحصل عليها من أي منظومة هو حاصل عملية طرح الطاقة اللازمة لتصنيعها وإتلافها أو إعادة تدويرها من قيمة كامل الطاقة التي نستخرجها منها وفي تاريخ كتابة المقالة التي قرأتها في مجلة العلوم ربما قبل ١٥ عاماً من الآن لم تكن هذه المعادلة محققة، فنحن نصرف على الألواح طاقة أعلى من التي نستخرجها منها.
اقرأ أيضاً: الهروب السوري الكبير من المسؤولي_ أيهم محمود
ربما تغيرت هذه المعادلة الآن مع تطور منظومات الطاقة المتجددة وتطور أساليب التصنيع، لقد فشلت في إيجاد مقالة رصينة عن هذا الموضوع بين الكم الهائل من مقالات الفخر العلمي ومقالات التباهي وبيع الأوهام للناس، يصعب أن تجد إبرة في كوم قش وهذه حال غوغل عندما يعيد لك نتائج بحثه عن الكلمات المفتاحية التي كتبتها، ليس ذنب محرك البحث فهو ينقل الصورة بأمانة عن وجود سرطان من المواد العلمية هي أقرب لشعور الفخر بدل أن تحتوي دعوة جادة للتفكير السليم مثل المواد المنشورة في مجلة العلوم.
في فورة الشهرة والإعلام الذي يضغط على المنظومة العلمية وعلى الجانب الإنساني في أفرادها ينهار الكثيرون وينخرطون في لعبة تحولهم إلى شيوخ علم (على وزن شيوخ الدين) مهمتهم الأساسية تهدئة مخاوف البشر أو تخدير البشر كما يفعل بعض شيوخ الدين أثناء خدمتهم للمنظومة الاقتصادية والسياسية الحاكمة، يصبح واجب شيخ العلم الجديد إبهار البشر بالاختراعات التي يتم تصويرها كمعجزات حقيقية، هذا الأسلوب معطلٌ لطاقات العقل البشري وهو لا يقل خطورة عن التعطيل الديني لطاقات العقل وشل قدرات النقد والرفض فيه.
في مسألة الطاقة تحديداً يجب أن يعرف البشر ما جرى في المائة العام السابقة، لقد استهلك البشر طاقةً احتاجت الأرض ملايين الأعوام لجمعها خلال قرن واحد من الزمن، مراهقٌ اكتشف مخبأ أموال والده فذهب إلى كازينو القمار وصرفها في ليلة واحدة دون أن يفكر كيف سيعيش في اليوم التالي، مهما بلغت كفاءة الاختراعات الجديدة فإن الفرق بين الطاقة الكلية المستخرجة والطاقة اللازمة لتصنيعها وإتلافها لن يكون قابلاً للمقارنة مع سخاء النفط، لفهم هذه النقطة دون الدخول في قضايا علمية شائكة نقول أن المقارنة بين الاثنين مماثلة للمقارنة بين حالة المراهق الذي سرق مدخرات والده وبين حالة إنسان بالغ يعلم أن المبلغ الذي يستطيع المقامرة بأمان فيه في الكازينو هو الفرق بين راتبه الشهري وبين مصروفه فيه، أي أنه يستطيع أن يغامر بالوفر فقط وليس بكامل قيمة مدخوله، لا يستطيع المراهق فهم هذه المعادلة لقلة خبرته في الحياة بينما يعي البالغ خطورتها وضوابطها القاسية.
هذه المعادلة ليست غائبة عن الدول التي تستخدم العلم الحقيقي بدلاً من شعوذات شيوخ العلم لذلك نجد انتقال هادئ إلى منظومات الطاقة المتجددة مع تحسين مستمر في كفاءة الأبنية وحتى كفاءة البشر المستهلكين للطاقة لكي يصرفوها بحكمة.
اقرأ أيضاً: هل توصلت البشرية حقاً لحل لمشكلة كوفيد 19؟ _ أيهم محمود
مازلنا نستخدم طاقة النفط لتصنيع مكونات منظومات الطاقة المتجددة لذلك تبدو ربحيتها مضللة حتى لكثير من المختصين، سيفهم العالم الحقائق القاسية مع وصول صدمة نضوب النفط وهي تسونامي ضخم سيدمر اقتصادات كثيرة بعنف بالغ ويخلق اضطرابات اجتماعية خطرة مع احتمال حدوث وفيات كثيرة قبل أن تتوازن موارد الطبيعة مع عدد البشر فيها، حتى في الدول المتقدمة والتي تسبقنا بمراحل كبيرة ستكون الصدمة محتومة وقاسية فكيف هو الحال مع شعوب تدخن الأركيلة وتنتظر غيرها ليخترعوا لها شيئاً ما يشبه النفط في سخائه، شعوب تؤمن بالعلماء وقدراتهم مثل إيمانهم بشيخ قريتهم حين يكتب على ورقة أمنيات من يلجأ لخدماته الجليلة سواء إن أراد إنجاب الأطفال أو الحصول على الرزق والمال أو حتى رد كيد الأعداء، نحن نتعامل مع العلم بهذه العقلية المريضة والخطرة.
في بلادنا القضية بالغة الخطورة لأن نقص الطاقة سيكون مترافقاً مع نقص المياه نتيجة موجة جفاف حادة تضرب المنطقة من سنوات طويلة، لم تعد الأرض بقادرة على استيعاب الانفجار السكاني فيها، الإعلام العالمي وإعلامنا المحلي يقول للناس لا تقلقوا: سيصنع شيوخ العلم الجدد المعجزات وستعود الحياة إلى سابق عهدها.
يجب أن نؤمن بقدرة البشر على فهم الحقائق العلمية إن أجدنا شرحها لهم، يجيد المختص الشرح إن كان هو حقاً يفهمها بدل أن يحفظها ويتباهى بها فتدخل إلى بصره لكنها تبقى بعيدة جداً عن عقله وبصيرته.
ما يجب قوله لأهلنا وناسنا ومجتمعنا أن الزمن يضيق والقادم خطرٌ مؤكد على مسألة بقائنا كشعوب قبل تفككنا واندثارنا كما تفككت كل الحضارات القديمة التي نزور آثارها ونفتخر بأننا أحفادها دون أن نتجرأ على سؤال أنفسنا أين اختفت ولماذا؟.
لم تكن كل أسباب زوال الحضارات القديمة الحروب والغزوات، في الواقع الغزوات سبب ظاهري يُخفي تحته فشل المنظومة المجتمعية في التكيف مع التغيرات المناخية الحادة أو فشلها في التوازن مع موارد الأرض المتوفرة لها، ولكي لا أطيل المقالة أكثر من صبركم عليها أقول أن علينا ابتكار أساليب زراعة نستخدم فيها حفنة من المياه فقط! مع إعادة تدويرها أيضاً لإعادة استخدامها، وعلينا أيضاً أن نؤسس لنقل المعلومات إلى الأشخاص بدلاً من نقل البشر إلى جوار المعلومات، عملية نقل كتلة الأشخاص باهظة الكلفة وقد تدمر أي اقتصاد في المستقبل مهما بدا اليوم قوياً ومتماسكاً.
للحديث بقية…
اقرأ أيضاً: شيوخ الدين الجدد_ أيهم محمود