الرئيسيةيوميات مواطن

وصفة السعادة.. كيف أطبقها في هذا البلد السعيد؟

الموز دائما سعره مرتفع، نحن السوريون نعتبره من الكماليات منذ خلق الله شجرة الموز

سناك سوري – شعيب أحمد

ربما أكون هادئاً نوعاً ما، لكن اليوم في عيادة الطبيب، ببلدة صغيرة غرب “درعا” كل شيء كان يقلق جهازي العصبي، مروحة صغيرة على الجدار فوقي برأس نصف متحرك مثل رأس يعسوب باتت تصدر أزيزاً مزعجاً في كل حركة تقوم بها، صوت حبات المسبحة المتراصة لرجل مسن بجانبي تنقر أذني اليسرى، مؤخرة سيدة تحتك بكرسي قريب تقلق أذني الأخرى، طفل يطحن بقوارضه الأمامية قطعة خيار أمامي، صبيّة تحرك ساقها كالنابض بملل بانتظار دورها، عجوز يتلمظ بشفتيه القشيبتين كلما نظرتُ إليه، كل ذلك كان يتسرب داخل رأسي الموحل كمادة فيول هاربة من مصنع، فتغرق نهاياته العصبية بالضجيج و تدفعني للتذمر والتعرق على غير العادة.

عند الطبيب العابس أخبرته عن كل ذلك، وعن هجمة من التشنجات في البطن مصحوبة بآلام وانتفاخ وصداع مرير. مرر يده فوق أماكن الوجع، ترنم بسماعته على نبضات قلبي الحنون، استعمل جهاز الايكو و قام بقياس مستوى الدم بعلبة الضغط. كشف عن كمامته ثم قال خلف طاولته بهدوء، أعني هدوء الشخص الذي اعتاد الاعتياش على آلام الآخرين:
– تهيج للقولون العصبي
– بس؟
رد بوجهه العابس:
– أي بس
– شو السبب؟
– من كم السعادة
– بس؟

غيّرتُ السيرة فوراً حين أدركت “تقل” سؤالي، ثم سألته عن الحلول لتجنب هذه السعادة، فطلب مني الامتناع عن تناول الدسم، وأن أكتفي بالبطاطا المهروسة والأرز المسلوق والأهم الفواكه كالموز والجوز والتفاح، و أن أبتعد قدر الإمكان عن كل ما يثير القلق ويطرد السعادة.

وحين وجدني قلقاً لجأ إلى الأرقام والنسب حين قال أنه وبمعدل وسطي يزوره كل يوم بين 2 إلى 3 حالات تشنج للقولون العصبي، وهي نسبة كبيرة بنظره في بلدة صغيرة كهذه البلدة.

ودعته وسلكت طريقاً إلى سوق البلدة، كانت أشعة الشمس الساقطة على هامتي تغير من أشكال البشر والألوان في السوق.

بائع الموز لديه من العصبية ما يجعل محيط مبيعه فارغاً، يضع قطعة قماش مبللة فوق رأسه، اقتربت منه وقلت في نفسي “كيلو موز منشان صحتي وعمرين لا حدا يرث”. لهذا اقتربت منه وسألته (بكم الأصفر اليوم يا أشقر؟) سألته بنبرة سعيدة فلا داعي لأقلق صحتي معي اليوم أيضاً، فالطبيب قال أن تسعون في المائة من الأمراض الجسدية سببها نفسي.

ألقى إلي بائع الموز نظرة يبدو أن بها اشمئزاز:
– بـ 10000 ليرة يا أسمر
– بدي كيلو مو فلينة.

وقبل أن أسمع رده حفظت كرامتي واختفيت وسط الازدحام، الموز دائماً سعره مرتفع، ونحن السوريين نعتبره من بين الكماليات منذ خلق الله شجرة الموز، حتى أننا نكاد نعتقد أن شجرة الموز هي شجرة الخطيئة التي بفعلها سقط أبونا آدم على هذا الكوكب.

اقرأ أيضاً: سوريا.. صادروا الموز من المهربين وباعوه بـ10 آلاف للكيلو الواحد!

نكاد نعتقد أن شجرة الموز هي شجرة الخطيئة التي بفعلها سقط أبونا آدم على هذا الكوكب

بائع التفاح شاب في العشرين يدس رأسه في ثقب صنعه في قطعة من الكرتون، فجعلها مثل طاقية رعاة البقر، وحين سألته عن السعر اقترب مني ثم أمسك يدي وقال بمرح:
– بدك تشتري ولا بدك تعل قلبي؟
– أعتقد بدي عل قلبك.
ترك يدي:
– الكيلو بـ1200
– 1200 ليرة؟
ساخراً:
– لا 1200 بيزو

سحبت نفسي وهرولت إلى بائع البطاطا، البطاطا المهروسة أفضل دواء للمعدة، وهي رخيصة (وبنت حلال)، لهذا يطلق عليها سكان هذه الأحياء الفقيرة بلحمة الفقراء.
– بكم السعر؟
– بـ800
– حلوة؟
بنزق:
– أنت الحلو

البطاطا المهروسة أفضل دواء للمعدة، وهي رخيصة (وبنت حلال)

اقرأ أيضاً: لحم الفقراء بـ1300 ليرة.. ارتفاع جديد لأسعار المواد التموينية والخضار

أعرف أني أسمر وحلو لكنني أدركت من تعابير هذا البائع الخشنة أنه يود الشجار، فكل السكان هنا نزقون حيال تعاملهم مع الآخرين، لذا فمن الطبيعي أن ترتفع نسبة التشنجات العصبية لديهم، لهذا السبب وأمام وجه هذا البائع العنيف جنحت للسلم واشتريت كيلو بطاطا، من أردأ أنواع البطاطا.

ركبت دراجتي، وخيالي يبحث عن مشاعر السعادة التي حدثني عنها الطبيب العابس، فجأة وسط أفكاري الهاربة وسط الطريق الريفي الخالي تذكرت أني نسيت تعبئة علبة البنزين من مركز البلدة، وماهي دقائق حتى ركنت دراجتي الفارغة من الوقود، جلست قرب جذع شجرة ميتة ووضعت حزني في جرني وأخذت أفكر كيف أطبق وصفة السعادة في هذا المكان السعيد.

اقرأ أيضاً: اليوم العالمي للسعادة.. السعدان بحياتو يرفع إيدو

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى