نميمة على طريق المسجد … شاهر جوهر
هل تشفع لنا عذاباتنا عند الله
سناك سوري – شاهر جوهر
لاك لقمته بملل على درد فمه، تطلّع نحوي بنظرات لا تفسير لها، كأنه يقول لي (من الذي دفع لك لِتُجهد بالي اليوم)، لهذا قطعت عليه وساوسه وطلبت منه الاستعجال للحاق بالصلاة، أنهى طعامه ثم قام بلا رغبة بتمشيط شعره الخشن وارتداء لباسه بكسل، كنزة نصف كّم وبنطال جينز واسع من نوع CONS وحذاء REIN رياضي أبيض منفوش بفعل العمل، غمغم في سره حين انطلقنا :
– قال لي والدي قبل أن يموت نحن سندخل الجنة بلا حسيب أو رقيب، عذاباتنا تشفع لنا عند الله، لم أرد بحرف، نظر إلي وقد أخبرتني الشمس المتساقطة على وجهه كيف طبّقت الأيام القاسية حنكيه و كيف شربت الشمس ماء وجنتيه بفعل عمله في جني البطاطا، فبدا أسمراً حانكاً، كما برزت عظمتي كتفيه الناتئتين و تناثر شعر على خديه لم يشذب، مشينا بضع خطوات، عض بيده على يدي بخشونة، كانت يداه لاتزالان قويتان.
سأل متفاجئاً: – لحظة؟ أين موتورك؟
– في المنزل
– هل تقصد أننا سنذهب للمسجد سيراً على الأقدام؟
– البنزين مقطوع، ألست من هذا العالم ..؟
– تمزح! – ألا ترى أن الشارع فارغ
– تمزح!
– لا أحد يركب موتوره، قريباً سنشتري حماراً.
– تمزح يا رجل
أغلق فمه ومضى في المسجد جلس يراقب الجميع:
– أتعلم أنها المرة الأولى التي أصلي بها في المسجد منذ العام ٢٠١٣، لم يتغير شيء، كل شيء كما كان ، لم يتغير شيء .. ارتجف مستغرباً:
– أنظر إنه “عدو الصدق” إن هذا الداعر يصلي أيضاً، من ايمتى؟ “عدو الصدق” حيث يلفظ حرف القاف تماماً كما يلفظ حرف الCH في كلمة children، و هو اسم يطلق على أحد الشبان في القرية، يذكر أنه شاب ليكذب حتى في منامه، حوّل عيناه للجهة المقابلة بعد أن عضه بلسانه بكلمات محيّرة، لكزني بكوع يده مجدداً ثم وشوشني مندهشاً:
اقرأ أيضاً: برقية من ديك منتوف الريش – شاهر جوهر
– إنه الصبي “صاحب المؤخرة ذات الأثداء”، ههههاي، إنه يصلي أيضاً، يا ربي منذ متى عدتم للإسلام يا كفار، هههاي هذا الصبي أيضاً كان في طفولته يمتلك مؤخرة نافرة، لهذا تتمايل مؤخرته حين يمشي كثديي امرأة مترهلة، لكنه الأن لم يعد صبياً، أصبح رجلاً. حين صعد الشيخ على المنبر، حاول قدر الإمكان كظم ضحكته، وحين لم يقدر على ذلك ثنى ركبتيه و دفن وجهه ووأد صهصهته بينهما، و بوجه اختنق من الضحك أطل علي قائلاً:
– ألا زال رأس العصفور يخطب بكم في المسجد، هههاي، كم هو مسكين هذا الشيخ، ألا يشبه “توغو موري” عم “كونان” الغبي، بالله عليك ألا يشبهه، أعتقد أنه مثل توغو موري سيكون هو زعيم العصابة في الحلقة الأخيرة .. حاولت كبح فمي عن الضحك، وحين لم أسيل مع سيله في الكلام، أكمل وحيداً:
– يقولون إن القط يأكل عشاء هذا الشيخ .. هل تصدق هذا؟ ها؟ إنك تصدق هذا يا ذا الأنف الطويل، أعلم ذلك، حين نخرج من المسجد ستشل عرض هذا الشيخ أنا أعرفك، أنت تصمت لأنك في المسجد .. نظر حوله من جديد لعل أحداً لم يسمعه، ثم أكمل: – نعم إنه درويش .. لكنه يأكل عشاء القط لا العكس ثم تدارك أمره و أخذ ينصت باهتمام حين أخذ الخطيب يتحدث عن الغلاء وعن ضرورة التكاتف الاجتماعي في أوقات الحصار، وكيف جعل الله ماءنا غوراً وذبلت ثمارنا وهاجر شبابنا وتضخمت الأسعار، لهذا لم يكن بمقدوره إلا وأن يعلّق على هامش كل كلمة يقولها، فالتصق بي أكثر وقال:
– معه حق، هذا الفهمان يقول كلاماً جميلاً، أتعلم إن الحصار جعل زوجتي تتفنن في طبخ البطاطا، مرة تقوم بقليها ومرة في طهيها ومرة في هرسها ومرة تطبخها مقلية، لكن لولا أني أعمل في جني البطاطا في “حوران” لما عرف أولادي شكل حبات البطاطا أصلاً .. الحمدلله على هذه النعمة .. قبل مدة كسرت الميزانية وقررت شراء بطيخة لهم، لينسوا طعم البطاطا قليلاً، حين قمت بذبحها تجمهر الأولاد حولها كمن يشاهد بيضة ديناصور وانهالوا يأكلون القشر الأخضر ويرمون اللب. إنهم لا يعرفون كيف يؤكل البطيخ … لماذا تضحك؟ أنا أرى ضحكتك تخرج من عينيك.. الأسبوع الفائت قمت بشراء دجاجة مشوية، خلص آن الأوان أن يأكل أولادي اللحم، وحين وضعت الدجاجة أمام أولادي ليأكلوا جفلوا من أربعتهم خائفين، إنها المرة الأولى التي يرون فيها حيواناً مذبوحاً ومحروقاً بالنار أمامهم ويطلب منهم أحد أن يأكلوه .. قال ذلك بطريقة ساخرة فخرخرت ضحكة لطيفة من طرف أنفه، تعرى أمامي لوهلة فمه الواسع فتكشفت لي بقايا أسنانه النخرة، وعلى إثره شخرت أنا الآخر في ضحكة كبيرة.
اقرأ أيضاً:في هذا الشرق… بعض الظن إثم – شاهر جوهر