من الحلاقة لشراء العطور .. كيف تحوّلت احتياجات الشباب السوري إلى رفاهية؟
شبان يتبادلون الملابس في المناسبات ويتخلون عن الشراء بأسعار كارثية
«ما بقدر اشتري بالجامعة أكتر من كاسة نسكافيه، كيف بدي فكر بالتياب؟» بهذه العبارة يصف ”حامد “. ما آلت إليه الأوضاع المعيشية في مدينته “حمص” خلال الحدبث عن تكاليف مصاريف التزيين لدى الشباب السوري.
سناك سوري _ حلا منصور
يقول “حامد” 24 عاماً وهو طالب في كلية الطب البيطري. أنه لا يملك سوى معطفين شتويين. وبدل شتوي وآخر صيفي يرتديهم خلال دوامه في الجامعة. مع حذاء أسود شتوي وحيد أصلحه مراراً لتجنب وصول مياه الأمطار إلى داخله.
ويضيف الشاب في حديثه لسناك سوري: «التياب الشتوية أسعارها نار، ولازم يكون عندي كذا بدل. مشان إذا غسلت واحد البس التاني، بس ماعم نقدر نشتري. وبالصيف الواحد بده يبدل تيابه كل يوم بس حق أقل بلوزة بالسوق 100 ألف».
ويشير الشاب إلى أن الأوضاع الراهنة دفعت الكثيرين للاستغناء عن عدة احتياجات كانت أساسية في حياتهم. مبيناً أنه اختصر حلاقة الشعر من مرة كل أسبوع إلى مرة كل أسبوعين. مع وصول تكاليفها إلى 12 ألف ليرة. فضلاً عن إلغاء استخدام العطور إلا في المناسبات والأعياد بعد أن بلغ سعر أقل علبة عطر معبّأة 30 ألف ليرة.
ويذكر “حامد” في الحديث عن ظروفه أنه لا يمكنه العمل سوى خلال أيام العطل. وبالكاد يصل دخله إلى 50 ألف ليرة، فيما يضطره اختصاصه الدراسي للدوام يومياً. مبيناً أن أقل كتاب في الجامعة يصل سعره إلى 75 ألف ليرة، فالمعاناة لديه مضاعفة واحدة بشأن أسعار الكتب والمحاضرات والأخرى بشأن تدبير ظروف الحياة المعيشية لظل الأوضاع المادية المتدهورة لعائلته.
«الطالب يلي عم يقضّي أغلب نهاره بالجامعة، ما بده تياب؟ حقنا نبلس ونرتب حالنا بس كلشي نار» يقول حامد لسناك سوري.
الطالب يلي عم يقضّي أغلب نهاره بالجامعة، ما بده تياب؟ حقنا نبلس ونرتب حالنا بس كلشي نار حامد – طالب بكلية الطب البيطري
اختصار عدد مرات الحلاقة
أما “يحيى” 25 عاماً وهو طالب في كلية الهندسة الميكانيكية. فقد قرر تقليص عدد مرات حلاقة شعره من مرتين شهرياً إلى مرة واحدة. بعد أن ارتفعت أجرة الحلاقة هذا العام من 5 إلى 12 آلف ليرة وتحوّلت إلى عبءٍ لم يعد قادراً على تحمّله. يحيى يعمل بعد دوامه الجامعي في محمصة ويتقاضى ما يقارب 200 ألف ليرة شهرياً يساهم فيها بمساعدة والديه الموظفين الحكوميين لتأمين مصروف المنزل.
وتتراوح أسعار حلاقة الشعر وتهذيب اللحية في مدينة “حمص”. بين 20 إلى 25 ألف للمحلات ذائعة الصيت. وتَقلُّ في المحلات الشعبية لتبلغ 12 ألف ليرة. أمّا جلسات تنظيف البشرة مع استخدام الشمع لبعض مناطق الوجه فتصل كلفتها إلى 30 ألف ليرة. و 7000 ليرة لأي ماسك.
شباب يتبادلون الملابس فيما بينهم!
يحاول جيل الشباب السوري ايجاد حلول باستمرار لمواجهة الغلاء وتراجع القدرة الشرائية. حيث يلجأ “عمران” 24 عاماً وهو طالب رياضيات في جامعة البعث. إلى تبادل الملابس مع أصدقائه عند دعوة أحدهم إلى حفل أو مناسبة.
ويقول في حديثه لـ سناك سوري أن المصاريف الأساسية من حلاقة شعر إلى شراء مزيل تعرّق وعطور باتت تحتاج لما يقل عن 100 ألف ليرة وسطياً. فيما أصبحت أسعار الملابس “مصيبة” على حد وصفه. مبيناً أن أقل بدل يبلغ سعره 400 ألف ليرة.
مصاريف الفتيات.. أعباء إضافية لا ترحم!
يعدّ التزيين بالنسبة للفتيات أكثر تشعّباً من احتياجات الشبان للتزيين. ما يجعله أكثر تكلفة، فضلاً عن أهميته للفتيات على المستوى النفسي لناحية الظهور بأفضل حال من ناحية العناية بالنظافة والرائحة ونضارة البشرة.
العامل النفسي يدفع “غنى” 28 عاما للمواظبة على زيارة صالون التجميل شهرياً لتغيير لون شعرها وتسريحته. رغم أنها موظفة حكومية براتب لا يتجاوز 200 ألف ليرة. مشيرة إلى أن هذه الطريقة تحسّن من نفسيتها وتشعرها بحب أكبر لنفسها.
لكن موجة الغلاء اضطرت “غنى” للتخلي عن عادتها. فباتت تصبغ شعرها في المنزل، حيث تقول أن تكلفة صبغ الشعر وتسريحه العام الماضي لم تكن تتجاوز 30 ألف ليرة. وتضاعفت هذا العام إلى 200 ألف ليرة وسطياً. مضيفةً «يعني مو منطقي ادفع كل راتبي على ترتيب شعري وقضّي باقي الشهر بتقنين قاسي يهوّنه لون شعري الجديد».
أما “هيا” 27 عاماً وهي مهندسة تعمل في مجال البرمجة براتب يقارب مليون ليرة. فحافظت على زياراتها الدورية لصالونات التجميل. وتقول في حديثها لـ سناك سوري أنّ هذه الصالونات أكثر من مجرد أماكن تجميل. وإنما عامل مساعد على تجديد نفسيتها ومنحها الطاقة والأمل. مشيرة إلى أن الانقطاع الطويل للكهرباء يجبرها على الذهاب إلى الصالون لتصفيف شعرها بكلفة تصل إلى 25 ألف ليرة. بينما تصل تكاليف “جل الأظافر” لليدين والرجلين 75 ألف ليرة في محافظة حمص.
كما انضمت جلسات الليزر إلى قائمة “هيا” الشهرية. والتي تختلف أسعارها بحسب مركز التجميل وبحسب اختلاف مناطق الجسم. فيما تقتطع الشابة 100 ألف ليرة شهرياً من راتبها لتأمين تكاليف تلك الجلسات. وتقول: « رغم أنّه راتبي يُعتبر جيّد مقارنة بالرواتب بالبلد، ولكن ما بيكفيني أكتر من عشرة أيام بالشهر».
وصلت مفاعيل الحالة الاقتصادية المتردية إلى كافة تفاصيل حياة السوريين لا سيما الجيل الشاب الذي وجد نفسه مضطراً لمواجهة المعاناة المادية. بابتداع طرق للتأقلم حتى وإن طالت شؤون شكله الخارجي وزينته التي تحوّلت من أساسيات كان جيل الشباب يحرص على الاهتمام بها إلى رفاهية يبحث عن كيفية تخفيف أعبائها.