
بددت تسريبات مسودة قانون الإعلام السوري الجديد آمال الصحفيين المنتظرين للقانون منذ أكثر من 3 سنوات. وتفاجؤوا بأن القانون المرتقب ما هو إلا “عودة للخلف”، ما دفعهم لإطلاق ما يشبه صرخات الاستغاثة بعنوان “أنقذوا إعلامنا”.
سناك سوري- دمشق
مسودة وزارة الإعلام التي تعمل عليها الوزارة في الظل منذ نحو 3 سنوات تقريباً. التي يناقشها البرلمان حالياً. خلت من أي شفافية أو تشاركية في صياغتها، وبالعموم فإنها لم تنل رضا اتحاد الصحفيين.
وبحسب مصادر في اتحاد الصحفيين فإن الاتحاد حصل على نسخة من المسودة وسجل اعتراضاً على العديد من موادها التي لا تشبه التعديلات المطلوبة.
في حين يؤكد إعلاميون شاركوا في النقاشات، أن آراءهم لم تؤخذ بعين الاعتبار، لدرجة أن بعضهم تبرؤوا منها علناً. بينما طالب آخرون بعرض المسودة على موقع تشاركي بكل شفافية لإتاحة الفرصة لجميع الصحفيين بالاطلاع والتعليق عليها.
واعتبر بعض الصحفيين أن قانون الإعلام السوري الحالي أفضل من المسودة المطروحة. التي تخلو من أي بنود تضمن حصانة الإعلاميين وحمايتهم وسلامتهم وعدم الإفلات من العقاب في حال تعرضهم للأذى.
إضافة لذلك فإن مسودة قانون الإعلام السوري تفتقر إلى بند حماية المصادر. خصوصاً أن مهنة الصحافة تتطلب الاستقصاء عن الفاسدين والمسؤولين. وبالتالي فإن ممارسي هذه المهنة بحاجة إلى الحماية وضمان عدم معاملتهم بأي قانون آخر بعيداً عن مهنتهم. مثل قانون الجريمة المعلوماتية مثلاً.
وعلى الرغم من أن المسودة لم تتضمن جملة “يعاقب الإعلامي” بالدرجة ذاتها التي تتواجد فيها تلك العبارة بالقانون السابق. إلا أنها وضعت محظورات وغرامات وعقوبات من دون إيضاح ماهية عقوبة من يعطلون عمل الصحفيين ويمنعون عنهم المعلومة. وهذا ما يطالب الزملاء بأن يكون منصوصاً عليه بشكل واضح لمعرفة حقوقهم، على نسق التعريف بواجباتهم التي ذكرت في المسودة، والتي لا تعطي «أهمية كبيرة لحرية الرأي والتعبير والنقد ولا تصونها بشكل مُقدس كجزء من العمل الصحافي»، بل اقتصرت على جمل فضفاضة، من مثل ممارسة «الحرية بوعي ومسؤولية».
كذلك فإن المسودة لم تحفظ حق الحصول على المعلومة لعموم المواطنين. حيث تلزم الجهات العامة في المادة 13 منها بالرد على طلبات الإعلاميين الحصول على معلومات. شريطة تقديم الأخيرين وثائق تثبت هوياتهم، والمهمات المزوّدين بها من وسائل الإعلام المرخّصة حصراً.
الأمر السابق هو ما أثار اعتراض الصحافيين الذين يرون أن حق الوصول إلى المعلومة «يجب أن يكون متاحاً لجميع المواطنين. من دون الحاجة إلى إبراز أي وثيقة سوى الهوية الوطنية التي تثبت أن طالب المعلومة مواطن سوري».
وفي التعريف، تشترط المسودة أن يكون الإعلامي مسجلاً لدى اتحاد الصحفيين أو معتمداً لدى وزارة الإعلام. أما في الواقع، وفقاً للنص، فإن اعتماد الإعلاميين في الوزارة يتطلب أن يعملوا لدى مؤسسات إعلامية، فيما يضع الاتحاد شروطاً صعبة للانتساب إليه. وبالتالي، ما جاء في المسوّدة يقطع الطريق أمام الصحافيين المستقلين (فري لانسرز). ومن بينهم من يعملون في مجال الصحافة الاستقصائية.
اهتمام بالغ بالإعلام البديل
ويُحسب للمسودة أنها تلحظ باهتمام بالغ الإعلام البديل، كصفحات مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من المنصات. إذ تعطيها الغطاء المهني وتُشرعن عملها، علماً أن بعض الزملاء يعترضون على المساواة بين الصحافي والناشط، ويطالبون بتمييز الأول إيجابياً.
لكن في المقابل، تصرّ وزارة الإعلام في المسوّدة على دورها الإشرافي وطريقتها التقليدية في اعتماد التراخيص للسماح بعمل وسائل الإعلام. وتلزم الأخيرة بشروط محددة للحصول على الموافقة، بينما لا تذكر طريقة الاعتراض على قرار الوزارة في حال رفض منح الموافقة.
ويحدّد الوزير، وفقاً للمادة 29، مدة الترخيص والاعتماد لوسائل الإعلام، ما يخوّل الوزارة منح الأخيرة ترخيصاً أشبه بالمؤقت. الأمر الذي يؤرق بيئة العمل الإعلامي بجعل مؤسساته غير مستقرة وقلقة إزاء قبول تجديد الترخيص من عدمه.
وكان المنحازون إلى نظريات التطوير والتحديث قد طالبوا باعتماد مبدأ علم وخبر، بدلاً من تقديم طلب الترخيص. بما «يمنح الوسائل حرية في العمل ويشجع على الانطلاق والتأسيس».
وإلى جانب ذلك، تفرض مسودة القانون رسوماً على الترخيص وتجديده، وعلى الإعلانات التي تتدخل في حجمها ومساحتها وتحدد نسبة مجانية منها. الأمر الذي قد يعطل إطلاق وسائل إعلام جديدة في البلاد بداعي عدم الجدوى الاقتصادية. فيما يشجع وسائل الإعلام التي يملكها متنفّذون مالياً على ترويج «البروباغاندا» الخاصة بهم على حساب الإعلام «المستقل».
وهنا، يطالب بعض الزملاء المعترضين على فرض الرسوم، بأن «تعفى الوسائل من رسوم الترخيص كنوع من التشجيع والدعم لها. في ظل أزمة مالية كبيرة يعانيها الإعلام الخاص في سوريا، وسط انعدام المصادر المالية وتراجع اهتمام المعلنين. فضلاً عن الحصار الاقتصادي المتمثل في العقوبات التي تمنع وسائل الإعلام داخل سوريا من الاستفادة من إعلانات “غوغل” و”فيسبوك” ومجمل مصادر الإيرادات الحديثة».
وإلى حين إقرار مسودة القانون قبل نهاية ولاية البرلمان الحالي في حزيران القادم، سيكون الإعلاميون السوريون المعترضون على القانون أمام اختبار جدّي. لناحية قدرتهم على تحقيق مطالبهم الأساسية، وتضمينها في قانون جديد وعصري يتناسب مع الواقع السوري والتهديدات التي يتعرّضون لها. في ظلّ التغييرات التي طرأت على المهنة وأساليبها. ونجاحهم في ذلك هو من يحدد مستقبل مهنة الإعلام في سوريا وإمكانية تحولها من إعلام السلطة إلى إعلام الدولة.
بلال سليطين