الرئيسيةيوميات مواطن

مذكرات طالب بكالوريا – حسن حميدوش

عندما يصفعك القدر بطالب بكالوريا آخر من أقرباء أو جيران أو زملاء للأهل في العمل، وإذا كان المستوى الدراسي لهذا الطالب عالي، فعلى دنياك السلام، سيمر اسمه معك أكثر من أي عالم أو مفكر …

سناك سوري – حسن حميدوش

تقول النكتة القديمة أن ماردًا خرج من الفانوس السحري لطالب بكالوريا، وصاح كعادته: شبّيك لبّيك، فأراد الطالب تعجيزه : انقل ماء المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ بهذا السطل، وعندما اعترض المارد على صعوبة الطلب، قال الطالب : طيب، أريدك أن تتقدّم لامتحانات البكالوريا وتحقق نتيجة عالية، فقال له المارد: أين السطل الذي سأنقل به الماء؟!

السيد/ة طالب/ة البكالوريا:

أعلم أني لو طلبت منك تخيل سنتك هذه (سنة البكالوريا) بشكل ما تختاره وتحاول رسمه أو تصويره، فسيظهر أكثر الأشكال إخافة، ولا بد أن الأصوات ستتردد عندها في رأسك  (البكالوريا بدها هز أكتاف) (بيتعب الواحد سنة بعدين بيرتاح العمر كله)، وما تعنيه تلك الجمل من أحمال ينوء بها النساء والرجال، فكيف بمن لم يتجاوز الثامنة عشر من عمره، أي ما زال طفلًا علميًا وقانونيًا.

لكني أرغب في البوح لك بسر، لقد تقدّمت للبكالوريا مرتين في 2004 و2005، ولا أزال حتى الآن أشعر بألم في معدتي عندما أرى الطلاب يذهبون لفحص البكالوريا، ولا يفارقني هذا الألم المرافق لليوم الأول من فحص البكالوريا إلا عندما أكون خارج سوريا في هذا اليوم العصيب.

الأخ/ت المناضل/ة :

ربما تريد القول أن المشكلة ليست لديك، وأنها لم تعد (فارقة) معك، لكن الهمّ الأساسي هو عائلتك التي وضعت راياتها واسمها ومنسوب جباهها أمانة برسم قلمك، وأنه رغم تكرارهم أن (البكالوريا الك، مو النا) إلا أنهم لا يكلون عن رنّ الجرس اليومي: (بدنا ترفع راسنا، فلان منتظر يشمت فينا، لا تبهدلنا أكتر مو متبهدلين…..)، خصوصًا عندما يصفعك القدر بطالب بكالوريا آخر من أقرباء أو جيران أو زملاء للأهل في العمل، وإذا كان المستوى الدراسي لهذا الطالب عالي، فعلى دنياك السلام، سيمر اسمه معك أكثر من أي عالم أو مفكر، في الواقع ليس بالضرورة اسمه، غالبًا سيكون اسم أمه أو أبيه، هو سيكون ابن فلان أو ابن فلانة، وكأننا عدنا لتاريخنا القديم.

لكن لا تشعر بالوحدة، فهناك مئات الآلاف الذين مروا بتلك التجربة، لقد شاهدت أصدقاء تنهار مناعتهم خلال الفحص، وعجزوا عن إكماله، وعرفت أهالي أصيبوا بداءات السكّري والضغط بعد امتحانات أبنائهم، كما كان لدي صديق يحضر أبويه معه في كل يوم من أيام الامتحان، يقبّلانه مودعين إياه عند الدخول للامتحان، ومستقبلين له عند الانتهاء: راح البطل، عاد البطل.

لم يكن حالي بأفضل؛ فأثناء بكالوريتي الثانية قال لي أحدهم: “كان الله في عونكم، تصور أنّ الطالب منكم إذا لم يكتشف حل سؤال المثلثات، سيخسر فرعًا في الجامعة”، فقد كان على السؤال المتعلق بقسم المثلثات في مادة الرياضيات ثماني درجات، وهو أشبه بالحزورة، متى ما فككتها يأتي باقي الحل بسهولة، أو تعجز عن إيجاد القانون المطلوب فلا تستطيع حلّها أبدًا وتخسر الدرجات الثماني وبالتالي فرع الطب البشري، الذي كان معدله يفوق 235 درجة من المجموع التام البالغ 240.

أخافتني الفكرة، وصرت مهووسًا بحل المثلثات والرياضيات بشكل عام، فأنتهز كل وقت في الطريق وأوقات الطعام لحل التمارين، ووقت دراسة مادة التربية الإسلامية، وحتى عند الاستحمام. وقبل موعد فحص الرياضيات بيومين أصبت بنوبة من الهلع مترافقة مع بكاء شديد لم أعرف سببًا له، فقام والداي المصابان بالرعب عندها بالاتصال بأستاذ رياضيات يأتي لينقذ ما يمكن إنقاذه، وقام الأستاذ بامتحاني وبأصعب التمارين، فكنت أحلها بسرعة ودقة، وبعد ساعة ونصف من الوقت الثمين (بالمعنى الحرفي للكلمة إذ كانت ساعة تدريس أستاذ محترف قبل الامتحان مكلفة جدًا) خرج الأستاذ لوالديّ كالخارج من غرفة العمليات قائلًا (يا جماعة، مشكلة ابنكم أنه أنهى دراسة المادة قبل يومين، ولم يعد لديه ما يدرسه، لقد شعر بالهلع بسبب الفراغ)، وفي اليوم الموعود وعند استلامي لورقة الأسئلة كان أول سؤال وقع عليه نظري هو سؤال المثلثات، فحللته سريعًا ليطمأن قلبي، وكذلك بقية الأسئلة وبثقة وراحة، وقبيل الانتهاء، وقعت عيناي على جملة دبّت الرعب في أوصالي، إذ لم أكن قد حللت سوى الجزء الأصعب من سؤال المثلثات، ذاك المتعلق بفك الحزورة، إلا أنني اكتشفت وجود طلبات أخرى في السؤال نفسه، وقد كانت سهلة ومبنية على الجزء الأصعب، إلّا أنّ وقت اكتشافي لذلك كان عند إعلان المراقب عن تبقي دقيقتين لانتهاء الوقت، ولم تكن تلك الدقيقتين كافيتين لتدارك الخيبة، فخرجت من الفحص خاسرًا خمس درجات من ثماني من سؤال المثلثات، ولم يغير ذلك من مصيري فقد كنت في الأصل غير راغب بدخول كلية الطب البشري وذلك على الرغم من التسويق المجتمعي الهائل في سوريا لهذا الفرع، والذي يباهي الناس بعضهم به، ويجلد بعض الآباء والأمهات أبنائهم من أجله، ولم يعد ذلك مقتصرًا على سنوات الدراسة الثانوية، بل أصبح يبدأ منذ الطفولة، وكم يعتصر قلبي عندما أسمع أمًا أو أبًا يقول: ” ابني رح يطلع دكتور” إذ يقفز لرأسي صور الضغط على الطفل وترهيبه ووضعه ضمن قالب جامد مع تجاهل قدراته وميوله وكأننا نتعامل مع جماد نشكله كما نريد، وربما لو كان الأمر بأيدي العوائل السورية، لوجدنا مئات الآلاف من الأطباء، وملايين المرضى جراء الضغط والعنف بمختلف أشكاله، من هؤلاء الأطباء أنفسهم، أو ممن تعرضوا للضغوط ليصيروا أطباء.

يا صاحب/ة الهمّ/ة:

احذر من حكماء البكالوريا، أولئك الذين يعطون أحكامًا مبرمة، ومنهم من يبدأ كلامه ب: خذها قاعدة. كما أن هناك بعض الأصدقاء الذين يتبعون سياسة الغموض وعدم كشف الأوراق، فيشتكون من تقصيرهم وبأنهم سيتركون دروسًا بأكملها، فتشعر حينها بالرضا لكونك قد أنجزت أكثر منهم، وفي المقابل هناك بعض الأصدقاء يميلون للمبالغة فينهون مقررات كاملة بعدة أيام، وتشعر حينها بالضغط والتقصير، لذا؛ خذها قاعدة: الموضوع نسبي، ما ينفع مع غيرك قد لا يكون مناسبًا لك.

وكما يتم تناقل أقوال الحكماء على طريقة (حكى لي واحد) أو على الطريقة المصرية (بيقولك) يتم أيضَا تناقل ما يسمى ببرامج الدراسة، ويقضي بعض الطلاب من الوقت في التفكير والإعداد لبرنامج الدراسة وتعديله وتبديله، ما يعادل دراسة مقرر دراسي، وهي خبرات يصلح استغلالها في إدارة المشاريع لوضع الجداول الزمنية ومراقبة ملاءمتها، وكم كنا نفرح عندما نختار البرنامج المناسب لنا، وكأننا قد أتممناه بالفعل، خصوصًا إذا كان مترافقًا مع وجبات طعام كالنخاعات والمكسرات والزبيب.(للمشاهدة في أوقات الفراغ: مرايا 98 بامية بكالوريا شوكولاته)

السيد/ة البطل/ة:

لا ضير أن تنصت للآخرين، لكن فكّر، حلّل، وقرّر، ثم قيّم ما قمت به، وحاول أن تكتشف نفسك بنفسك، ما يناسبك وما يحفزك، ورغم أن امتحان الشهادة الثانوية العامة قد يؤثر على خياراتك المستقبيلة، إلا أنّ الحياة أوسع بكثير من أن تحدد بامتحان شهادة، أو حتى بدراسة جامعية.

الآن حان وقت الخروج من الإنترنت والعودة للدراسة، لأن البكالوريا – كما تعرف- بدها هز أكتاف، سجل خروجك، وهزّ أكتافك، وإلى كتابك.

اقرأ أيضاً : برنامج امتحان البكالوريا يثير استياء الأهالي … إنه يصعب الأمر على الطالب!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى