إقرأ أيضاالرئيسيةرأي وتحليل

لجنة الدستور التي أقرها “سوتشي”.. ماهي التحديات التي تواجهها؟!

“منى غانم” تكتب عن تحديات اللجنة الدستورية والتفاوض للتوافق

سناك سوري – منى غانم

بإنتهاء  أعمال مؤتمر سوتشي و إطلاق  الهيئة الدستورية التي  تبنتها  الأمم المتحدة، سيكون على السوريين مواجهة الإستحقاق الأصعب في العملية السياسية.

فبعد الانتهاء من تشكيل الهيئة الدستورية  سيبدأ العمل الجدي على وضع أسس التغير السياسي في سوريا،  في الوقت الذي مازالت فيه المعارك الضارية  مستمرة  في بقاع مختلفة من الأراضي السورية.

مقالات ذات صلة

ولايخفى على أحد أن العمل على تحديد جدول زمني وعملية لصياغة دستور جديد للبلاد هو من أهم أهداف القرار الأممي  رقم ٢٢٥٤، لكنه ليس الهدف الوحيد للتسوية السياسية. إذ ميز القرار الأممي المذكور بين عملية التسوية السياسية وتحقيق السلام وبين عملية  وضع  دستور يشارك فيه جميع السوريين على اختلاف مشاربهم و أماكنهم.

لقد اعتمد واضعو القرار الأممي على خلاصة تجارب عالمية  خلصت إلى أنه لايمكن  تحقيق السلام  في الدول التي تعاني من نزاعات مسلحة إلا باجراء تعديلات دستورية أو وضع دستور جديد.

بيد أن العكس ليس صحيحا، فوضع دستور جديد لايكفي لإحلال السلام  في بلاد  تهتكت فيها البنى المجتمعية و الاقتصادية و تمزقت فيها اللحمة الوطنية ولعل في  التجربة العراقية أوضح مثال.

إن بناء السلام عملية معقدة ومتعددة الجوانب، تتطلب إجراءات سياسية وعسكرية  واجتماعية لاتقل أهمية عن وضع الدستور. و يأتي على رأس هذه الاجراءات  وقف اطلاق النار والتزام الأطراف المتقاتلة به، و نزع سلاحها في مرحلة لاحقة.

والقيام بإجراءات مؤقتة  سريعة تعمل على وقف الصراع العنفي وخلق البيئة الآمنة، كما تتطلب العملية السياسية السلمية  اتخاذ بعض الإجراءات المؤسساتية  والقانونية الضرورية والعاجلة لتحقيق الأمن والاستقرار الذي من شأنه أن يمهد لعملية سياسية راسخة  تقود إلى التغير السياسي المنشود الذي  يمكن السوريين من ممارسة الاستحقاقات السياسية المتعلقة بالدستور والانتخابات.

لقد استطاع مسار “أستانا” تحقيق الكثير من التقدم في مسار إيقاف اطلاق النار في المناطق التي  تضمنتها  اتفاقيات خفض التوتر ولكن العنف لم ينتهي  في  سوريا فما زالت الغوطة ملتهبة على سبيل المثال،  وتم اطلاق عمليات عسكرية جديدة  في مناطق كانت أمنة كعملية غصن الزيتون في “عفرين”، و مازال مصير “إدلب” محاطا بكثير من الضبابية والغموض، ناهيك عن التواجد الأمريكي في مدينة “الرقة”.

كما لم  يستطع هذا المسار الانتقال من وقف اطلاق النار إلى الإجراءات الاكثر عمقا من ناحية بناء الثقة بين الأطراف المتقاتلة  كإطلاق سراح المعتقلين والكشف عن مصير المفقودين، ولم يناقش  مصير السلاح لدى الميليشيات المختلفة  تمهيدا لحصره  بسلطة  الدولة.

أما على الصعيد السياسي ، فلم يتوصل مسار جنيف  المدعوم أمميا  خلال السنوات الثلاث الماضية إلى الاتفاق على  أي من التغيرات السياسية الضرورية للبدء بالعملية السياسية من ناحية البيئة الآمنة و بناء الثقة و الاتفاق على تركيبة النظام الاجتماعي والسياسي  الآمن،  ومازال السوريون الكرد خارج العملية السياسية بالمطلق.

وهكذا يبدو الحديث عن وضع دستور دائم  للبلاد سابقا لأوانه، إذ ليس من مهام الدستور ترتيب أو تنظيم الواقع الاجتماعي و السياسي أو حتى تحقيق تغيرات جذرية سريعة  في المجتمع والسياسة.  بل يهدف الدستور في أصله إلى منع  التغيرات السياسية الجذرية والحفاظ على التركيبة المجتمعية والسياسية  في البلاد وضمان الهوية الوطنية التي يجب أن  تأتي كنتيجة لتوافق السوريين جميعا.

و من هنا تأتي أهمية  فكرة مؤتمر “سوتشي” الذي عمل على  فتح مسار لبناء التوافقات بين السوريين و خلق عملية سياسية بقيادة السوريين للدفع بعملية السلام  والتفاوض لأجل التوافق على خريطة طريق تسمح في نهاية الأمر بوضع دستور دائم يعكس توافقات السوريين بشكل حقيقي وفي ظروف آمنة.  إن أهمية الهيئة الدستورية  تكمن بقدرة هذه الهيئة على تعبيد الطريق  لعملية بناء الدستور، وهي عملية بناء بحق،  فكل  اتفاق بين السوريين تنجزه الهيئة الدستورية  مهما صغر هو لبنة من لبنات الدستور السوري.  وهكذا تبدو هذه العملية التوافقية أكثر اهمية وإلحاحا لتحقيق السلام  وتهيئة البلاد سياسيا وأمنيا لإكمال عملية التغير السياسي واستحقاقاته.

إن التحدي الأكبر الذي سيواجه الهيئة الدستورية هو العمل على وضع وثيقة دستورية تجمع بين روح الدستور من ناحية العمل على  تكريس أسس الدولة الآمنة والمستقرة،  ولكنها في نفس الوقت تتمتع بالمرونة الكافية لمواجهة الانقسامات الاجتماعية والعمل على حل النزاعات مع الاحتفاظ بحق السوريين بتعديل هذه الوثيقة و تطويرها تبعا لتقدم عملية السلام والتوافق بينهم . وعندها تغدو كتابة دستور مؤقت أو انتقالي ألية من آليات السلام  ليحجج هذا الدستور كيفية حدوث التغير السياسي بدلاً من شكل هذا التغير وليكون بذلك قطعا مع الماضي و تعبيرا عن نهاية الصراع المسلح.

إن هذا الدستور المؤقت -إذا ما قدر له أن يبصر النور- سيكون بمثابة عقد اجتماعي بين السوريين لتحقيق السلام  و سيساعد على تغيير المناخ السياسي و خاصة توقعات الحاضنة الشعبية للأطراف المتقاتلة والممثلة  أصلا في الهيئة  الدستورية  بحيث تنتقل هذه التوقعات من الانتصار في المعركة  إلى الغلبة في السياسة  ليضع الجميع سلاحهم و يتعلمون الحياة السياسية الديمقراطية .

فهل سيكون طريق الدستور في سوريا  هو طريق السلام ؟  بِرَهن الهيئة الدستورية.

* منى غانم – تيار بناء الدولة – أحد المشاركين في مؤتمر سوتشي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى