الرئيسيةيوميات مواطن

كان صباحاً حزيناً حتى أخبرني سائق التاكسي أن “الدنيا لسه بخير”

إلى لانا التي تعيش في دبي ولا أعرفها.. ياليت هناك مليون شخص مثل والدك في سوريا

ليس من الصعب أن تجد مبررات للبكاء ليلاً في هذه البلاد، سواء كان الأمر شخصياً لأزمة تمرّ بها، أو لأمر عام تشترك فيه مع عدة ملايين في هذه البلاد المنكوبة. لكن من الصعب حقاً أن تستيقظ لتجد المواساة من سائق تاكسي، يخبرك بأفعاله أن “الدنيا بخير” ربما!.

سناك سوري-رحاب تامر

كان صباحاً حزيناً جداً، كل شيء فيه يدفعني للمزيد من البكاء، حتى أوقفتُ سيارة تاكسي في القرية التي أعيش بها لأصل لعملي في مدينة اللاذقية. ليبدأ حديث السائق المرح صاحب الطاقة الإيجابية، تحدث بكل شيء تقريباً. ذكرياته قبل التقاعد، تفاصيل حياته، لكنه أبداً لم يتحدث عن سوء الأوضاع كما درجت العادة.

كنت قد تأخرت على عملي وأخبرته بذلك خلال الحديث الذي تشعب كثيراً نظراً لطول الطريق. ليجدها فرصة ويخبرني عن ابنته “لانا” المهندسة التي تعيش في “دبي” والتي لم ينجب سواها. وقد اشترط على زوجته أنه لا يريد إلا طفل واحد، مهما كان جنسه ذكراً أو أنثى.

أخبرني أنه وخلال دراستها الجامعية، قدّم لها بطاقة الصراف الخاصة بعمله، وأخبرها بأن الحكومة منحتها لها لتكمل دراستها كونها مجتهدة. وأضاف أن بطاقته بقيت مع ابنته طيلة سنوات دراستها الجامعية، دون أن تدرك أن البطاقة لوالدها، ولم تعرف الأمر إلا بعد تخرجها.

في الغضون وبينما يستمر الحديث، رفض السائق اللطيف وقال إن اسمه “عبد الرحيم”، أن يتوقف وأصر على إيصالي لمكان عملي. وهو بعيد قليلاً عن مركز المدينة، وأجرة التاكسي للوصول إليه تتجاوز الـ22 ألف ليرة سورية.

أكمل السائق اللطيف حديثه، وأخبرني أن ابنته طلبت إليه ألا يتقاضى أي أجور من الطلاب طالما أنه يعمل على التاكسي. وقد لبى لها هذه الرغبة. وذكر لي كيف أن طالبة رفضت ألا تدفع وأصرت كثيراً. ليخبرها بأن أجرته 100 ليرة كي لا يكسرها، وفي الحقيقة فإن الأجرة 5 آلاف ليرة.

كنا قد وصلنا إلى مكان عملي، هممت بالنزول وأنا أطلب إليه أن يأخذ أجرته، أخبرته أني كنت أنوي إيقاف تاكسي أجرة لأني تأخرت. لكنه رفض بإصرار. وطلب إلي أن أدعو لابنته في غربتها، أن تكون سعيدة وناجحة وألا يجد الحزن طريقه إلى قلبها. شكرته وتمنيت من السماء أن تمنحه ما يريد.

شكراً يا “لانا” ليس على “التوصيلة المجانية”، شكراً لأنك إنسانة تشعر بزملائها الطلاب. وشكراً لوالدك الذي قال لي بفعله، إن الدنيا ليست نقود فقط، ولا مصالح، الذي أخبرني بأن الحياة قد تمنحك العوض بتفاصيل بسيطة لا يمكن تجاهلها. كأن يبتسم لك أحدهم بينما في قلبك بركان ألم.

يا ليت هناك مليون شخص مثل “عبد الرحيم”، الذي منحني ما هو أعظم بكثير من توصيلة مجانية. منحني القدرة على التصديق أن الحياة تستحق أحياناً.

اقرأ أيضاً: الحب تفاصيل.. حين يهديك سائق التاكسي ربطة خبز

زر الذهاب إلى الأعلى