أخر الأخبارالرئيسيةشخصيات سورية

“جلال فاروق الشريف” مؤسس “البعث” الذي عاد “نصيراً”

“الشريف” أسس “البعث” و “الثورة” و “تشرين” وأقيل بسبب مقال!

سناك سوري _ محمد العمر 

كانت “دمشق” تعيش أوج حالتها الثورية حين ولد “جلال فاروق الشريف” عام 1925، بينما كان السوريون يدعون إلى الثورة الكبرى ضد الانتداب الفرنسي.

نشأ “الشريف” في أجواء العاصمة الصاخبة بالثورة والمقاومة في وجه الانتداب، ودرس في مدارس العاصمة إلى أن نال الشهادة الثانوية، فاختار دخول كلية “الحقوق” بجامعة “دمشق”، بينما كانت السياسة تطغى على أوساط السوريين وأحاديثهم المتطلعة للاستقلال.

شهد “الشريف” جلاء الفرنسيين عن “سوريا” عام 1946، وكان في تلك الفترة قد بدأ بمراسلة مجلة “الأديب” اللبنانية حيث نشر فيها عدة مقالات ذيّلها باسمه المستعار “ابن الصيدلاني” نسبة إلى مهنة والده، إلى جانب ذلك بدأ العمل في هيئة تحرير جريدة “البعث” التي تأسست في ذلك العام على يد “ميشيل عفلق” و “صلاح الدين البيطار” قبل إطلاق “البعث” الذي كان يصف نفسه حينها بأنه “حركة” وليس حزباً.

مقالات ذات صلة

اجتذبت أفكار القومية العربية والاشتراكية والعدالة الاجتماعية وإنصاف الفقراء أحلامَ “الشريف” بالتزامن مع بدايات ظهور فكرة حزب “البعث” العربي كما كان اسمه حينها، فكان “الشريف” واحداً من المؤسسين الأوائل الذين حضروا الاجتماع الأول الذي شهد إطلاق الحزب في مقهى “الرشيد” بدمشق عام 1947.

أول عدد من جريدة البعث

وبحلول العام 1948 تخرّج “الشريف” من كلية الحقوق، إلا أن عالم الصحافة والكتابة كان أكثر جاذبية بالنسبة له من العمل في مجال المحاماة، وأصبح مديراً لتحرير جريدة “البعث” التي أصبحت الصحيفة الرسمية للحزب الناشئ حديثاً والذي سيلعب دوراً بارزاً في الحياة السياسية السورية في السنوات التالية في الوقت الذي كانت الجريدة لسان حال الحزب ومنبره لمخاطبة الناس.

واستمر “الشريف” في عمله في جريدة “البعث” حتى العام 1958 حين قرر “البعث” حلّ نفسه وإغلاق جريدته تطبيقاً لشروط الرئيس “جمال عبد الناصر” من أجل إجراء الوحدة السورية المصرية التي سرعان ما انتهت بعدها بثلاثة أعوام، وكان “الشريف” خلال تلك السنوات قد بدأ الخوض في عالم الترجمة فنقل عدة أعمال من الأدب الأمريكي والسوفييتي إلى اللغة العربية.

اقرأ أيضاً:“رضا سعيد” مؤسس “الجامعة السورية” وقائد تعريب التعليم


تولّى “الشريف” منصب المدير العام لمؤسسة “الوحدة” للطباعة والنشر منذ تأسيسها عام 1961، وأصبح أول رئيس تحرير لجريدة “الثورة” الصادرة عن مؤسسة “الوحدة”، فيما يقول صديقه الصحفي “عادل أبو شنب” في أحد لقاءاته الصحفية أنهما عملا معاً على إنشاء مجلة أسبوعية ثقافية أطلقا عليها اسم “مجلة ليلى” وكانت تملكها “ناديا السمان” زوجة “أبو شنب”.

ويضيف “أبو شنب” أنه في الوقت الذي تأسست فيه جريدة “الثورة” طلب منه ومن “الشريف” ترك مجلة “ليلى” والتفرغ للجريدة، في حين كانت الأقاويل داخل “الثورة” تتهمهما بالابتعاد عن الخط التقدمي وفق “أبو شنب”.

تزوّج “الشريف” من الدكتورة الدمشقية “أمينة فوزي” التي ستكون رفيقة دربه الشائك وأمّ أولاده “فضل” و”عون” وابنته “زين”.

بدأ “الشريف” مسيرة التأليف في العام 1964 حين أصدر كتابه “الدعاية السياسة” والذي كان فاتحة للعديد من الأعمال التي تمحورت حول السياسة والإعلام والأدب والنقد، لا سيما وأن “الشريف” أبدى اهتماماً لافتاً بالأدب السوفييتي سواءً بالترجمة أو بالكتابة حول المؤلفات الأدبية والأدباء السوفييت مثل “تشيخوف” و “غوركي” و “مايكوفسكي” الذي أفرد له كتاباً خاصاً حمل اسمه بصفته “شاعر الثورة الاشتراكية”.

مهنية “الشريف” وإتقانه للعمل الصحفي وسعة اطلاعه أهّلته لأن يكون ضمن المؤسسين الأوائل للصحف الرسمية الثلاث المستمرة حتى الآن بالصدور في “سوريا”، فبعد “البعث” و “الثورة” ساهم “الشريف” في تأسيس جريدة “تشرين” عام 1974 وأصبح رئيساً لتحريرها، وكان مندفعاً لإبراز اسمها كجريدة مميزة وتجربة ناجحة تحمل بصمته.

إلا أن تلك الفترة لم تدم طويلاً حيث يذكر “أبو شنب” أنه استقال من رئاسة القسم الثقافي في “تشرين” عام 1975 بعدما صدر قرار بمنع “زكريا تامر” من النشر على خلفية مقال انتقد فيه “شاه إيران”، وبعد استقالة “أبو شنب” بأسبوع جاء القرار الآخر بإقالة “الشريف” من منصبه بسبب مقال له حول مخيم “تل الزعتر” الفلسطيني في “لبنان” فانتهى عهد مؤسسي “تشرين” الأوائل سريعاً وانتهى معهما عصر الجريدة الذهبي.

الطعنة الأخرى تلقّاها “الشريف” بعد ذلك بسنوات، حين كان رئيساً لتحرير مجلة “الموقف الأدبي” الصادرة عن “اتحاد الكتّاب العرب”، ووفقاً لـ”أبو شنب” فقد تولّى “علي عقلة عرسان” رئاسة اتحاد الكتّاب العرب، وأجرى انتخابات لاختيار أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد، وذلك بعد أن سمّى “البعث” مرشّحيه، إلا أن “الشريف” لم ينتخب القائمة التي اختارها الحزب فأطاح به “عرسان” في شكوى لقيادة الحزب، اتخذ على إثرها قرار بإعادة “الشريف” عضواً نصيراً في الحزب الذي كان من مؤسسيه وأحاله إلى أدنى مرتبة لشخص انتسب للحزب قبل يوم!

رحل “الشريف” يوم 12 آذار 1983، تاركاً وراءه اسماً نظيفاً وإن كان لم يأخذ حقه في الشهرة والتذكير بموروثه، إلا أن كل باحث في تاريخ الصحافة السورية وأعلامها سيجد اسم “الشريف” كواحد من المؤسسين البارزين للصحف السورية إضافة إلى دوره في التأليف والترجمة والنقد، لكن مشوار “الشريف” انتهى “نصيراً” بعد أن كان مؤسساً، ومنسياً بعد أن كان حاضراً بقوة ليرحل دون صخب ويشيعه أصحابه بحزن عميق وأسف على الرجل الذي لم يأخذ حقه.

اقرأ أيضاً:“زكريا تامر”.. الصبي الحداد والمثقف الشامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى