في زمن الحروب .. كيف زادت التكنولوجيا مشاعر الخوف وما علاجه؟- ناجي سعيد
ستالين المعروف ببطشه كان يخاف ركوب الطائرة .. فكيف يفسّر العلم ذلك؟
أجمع الفلاسفة وعلماء التصوّف، على أنّ السرّ لمعرفة المسار الصحيح في حياة الفرد، هو اكتشاف الذات ومعرفتها جيّدًا.
سناك سوري _ ناجي سعيد
فبدءًا من مقولة الإمام علي: “وتحسبُ أنّك جرمٌ صغيرٌ وفيك انطوى العالمُ الأكبرُ”. إلى الفيلسوف سقراط: “إعرف نفسك أوّلاً”.
وما لفتني عند قراءتي “التسامح رؤيا جديدة تُزهر حياة” أوشو، (ترجمة د. علي حداد) أنّ موضوع مواجهة الصعوبة يبدأ بتقبّلها: «..إذا استرخيت تكون قد تقبّلت: تَقبُّل الوجود هو الطريقة الوحيدة والأفضل للاسترخاء. إذا كانت الأشياء التافهة تُزعجك، فهذا لأنك أنت ميّال للإنزعاج».
ونستنتج من هذا، بأن المشاعر موجودة داخل الإنسان، حتّى لو حرّكتها أحداث خارجيّة. “فالريموت كونترول” موجودة بيد الشخص نفسه. يستطيع “إطفاء” أو تغيير ما يُسبّب له المشاعر السلبية.
وبالتالي تصبح مقولتي الدائمة صحيحة: «الفرح والسعادة هما قرار ذاتي. أنا من داخلي أُقرّر أن أفرح وأشعر بالسعادة». ولست بصدد “التفلسف”، لكنّي حين أكتب، أستند إلى مشاعري الداخليّة المستقاة من تجارب شخصيّة مررتُ بها أو قرأت عنها.
الخوف من العدو
وسبب الحديث عن الخوف اليوم، هو الشعور والتهويل، الذي حدث، حين سمعت زوجتي الأخبار عن عمليّة “طوفان الأقصى”. وبما أنّنا نسكن في الجنوب اللبناني. فمن الطبيعي أن تخاف. حيث- وبحسب التجربة- فالعدوّ الصهيوني لا يعرف شفقة ورحمة في الحروب. يقصف بشكل عشوائي ولا يهمّه القوانين الدولية، لعدم التعرّض للمدنيين في الحروب أو لجهة استخدام أسلحة محرّم استعمالها.
وهذا الخوف مبرّر، وسببه هنا، هو التجربة السابقة. ومن المعروف علميًّا بأن المشاعر جميعها تغذّيها المعارف، والمعارف على اختلاف مصادرها. من تجارب سابقة، من ملاحظة الآخرين، من مشاهدة الأفلام، أو قراءة الكتب.
«..إذا استرخيت تكون قد تقبّلت: تَقبُّل الوجود هو الطريقة الوحيدة والأفضل للاسترخاء. إذا كانت الأشياء التافهة تُزعجك، فهذا لأنك أنت ميّال للإنزعاج» أوشو
ودون الإستفاضة، دعونا نتفق في البداية على تعريف “الخوف”. فهو رد فعل سلوكي نتخذه عند الشعور بخطر جسدي او معنوي يهدّد وجودنا. ولن نغفل الدور المحوري لهذا الشعور في العصور القديمة. فقد كان الإنسان حينها، يواجه الحيوانات المُفترسة، وكان الموت يُحيطه ويهدّد وجوده.
أثر التربية في خلق الخوف
اليوم لا يخشى الناس من الأشياء ذاتها التي كان يخشى منها أسلافهم. ولكننا نخاف من أشياء مختلفة، تتفاوت خطورتها. فمن ركوب المصاعد، والأدوار المُرتفعة، إلى ركوب الطائرة أو السفينة. ومن المعروف عن ستالين “المشهور بعنفه وبطشه” بأنّه كان يخشى ركوب الطائرة. وقد كان يرفض حضور أي مؤتمر دولي لا يمكن الوصول إليه بوسيلة نقل غير الطائرة.
فالدماغ مادّة نملكها، أمّا العقل فطاقة ننتجها. وغالبيّة الناس، تستخدم المادّة (الدماغ) لخدمة المعارف “المُسبقة”. أي تجارب الأسلاف. دون تدخّل من “العقل” فتصبح النتيجة، هي القوقعة داخل تصرّفات فطرية اكتسبها الشخص من أسلافه ناجي سعيد
فالخوف هنا، ومن وجهة نظر تربوية، سببه التربية في الطفولة. نعم فقد كان يشرح لنا أستاذ العلوم الطبيعية في الثانوية بالتجربة التي قام بها علماء على طفل: وضعوه في غرفة مُظلمة، وأعطوه “دبدوب” من الفرو الناعم. وفي اللحظة التي لمس فيها “الدبدوب” أحدثوا صوتًا قويًّا، كأن قرعوا على طبلٍ. فما تعلّم الطفل من هذه التجربة سوى الخوف من: كلّ شيء ناعم الملمس، والظلمة، وصوت الطبل!
إنّ ما يعلنه البعض، بأنّ: “عندي فوبيا من كذا او كذا..”، ليس سوى اعتراف بإدراك المشكلة، النتيجة لشيءٍ ما. لكن يجب معرفة الأسباب. وهنا لا بدّ من متابعة أصحاب الاختصاص. فعلاج الخوف برأيي، إمّا أن يكون من متابعة نفسية عند طبيب نفسي (psychologist ). أو من خلال توسيع المعارف -وهذا رأيي الشخصي-. والذي أقصده تمامًا بتوسيع المعارف، هو حُسُن استخدام الدماغ عند تجميع المعلومات.
فالدماغ مادّة نملكها، أمّا العقل فطاقة ننتجها. وغالبيّة الناس، تستخدم المادّة (الدماغ) لخدمة المعارف “المُسبقة”. أي تجارب الأسلاف. دون تدخّل من “العقل” فتصبح النتيجة، هي القوقعة داخل تصرّفات فطرية اكتسبها الشخص من أسلافه. ثمّ يؤكّد للآخرين أنها الطبيعة أوالفطرة.
التكنولوجيا زادت مشاعر الخوف
وهل يَعقُل أن يكون خَلْقُ الله ناقصًا؟ بمعنى أنّ يكون الإنسان “دائم الخوف”. لقد ساهمت التكنولوجيا بتأجيج مشاعر الخوف، وبسبب علمي: مشاهدة التلفاز مثلاً، تؤثّر على دماغ الإنسان. وقد قرأتُ في أحد المراجع عن التلفاز:..” وبالاعتياد على مشاهدته لساعات طويلة. يصبح دماغ الإنسان في حالة سلبيّة استقرائية وهو ما يجعل كيمياء الدماغ تتأثّر سلباً. ويجعل هناك مناطق كثيرة في المخ في حالة خدر نتيجة عدم التفاعل. ما يلحق الضرر بشكل كبير بالقدرات الدماغية..” هذا بالمنحى العلمي.
فإضافة إلى الأثر السلبي للتلفاز على الدماغ، هناك المصداقيّة التي تفتقدها -للأسف – معظم القنوات العربيّة، حيث هناك انتقاء لبث برامج تناسب أيديولوجيّتها. دون الاهتمام بالمعايير التربوية وأصولها. وهذا السبب كافٍ لفتح الباب على مصراعيه، لدخول مشاعر الخوف إلى قلوب الناس.
التغيرات الفيزيولوجية
ومثل العديد من المشاعر الأساسية الأخرى، يُسبِّب الخوف ردود فعل فيزيولوجية في أجسامنا. يبدأ الخوف في الدماغ، ثم يمتد تأثيره إلى جميع أنحاء أجسامنا لنحصل على استجابة أكثر فاعلية للتعامل مع الموقف المُخيف.
هذه التغييرات الجسدية تؤدي إلى تهيئتنا لنكون أكثر كفاءة في التكيّف مع الخطر. يُصبح الدماغ مُنتبها، تتوسَّع القصبات الهوائية ويتسارع التنفس، يرتفع معدل ضربات القلب وضغط الدم، يزداد تدفق الدم وتدفق الجلوكوز إلى العضلات، وتتباطأ حيوية الأعضاء غير اللازمة للبقاء على قيد الحياة خلال الموقف المخيف، مثل الجهاز الهضمي الذي يصاب بخلل بأداء وظيفته الطبيعيّة، فيصاب بالإسهال أو الإمساك.
وأخيرًا سأختم بأهمّية التحكّم بالدماغ، فما لا يعرفه البعض، هو أن منطقة في الدماغ وتدعى “الحُصين” تساعد الإنسان على تفسير الموقف الذي يتعرّض له، فالخطر الذي ينجم عنه الخوف، يدفع الإنسان إمّا لأن يهرب او يواجه. ويسبق الحالتين لحظة “التجمّد”، وهي لحظة تتعطّل أجهزة الجسم عن العمل. وفي فلسفة اللا عنف، يجهد اللاعنفي بتشغيل دماغه ليحلّل الموقف، ويفكرّ بشكل سريع. بفعل يمنع ظلم أو تعدّي الآخر. وهنا قد يأخذ وقتًا في “التجمّد” للتفكير، حتّى لا يقع في فخ “ردّة الفعل” الطائشة. وكي لا يضعني القارئ في غيمة، أقول: يختلف الوضع في حال وجود عنف مباشر (حرب/ قتل..) ففي لحظة الانفعال لإثبات الوجود، لا يجوز العقلنة.!! القلب يأمر بالتصرّف وهذا ما يُدعى”غريزة البقاء”. والسيطرة على مشاعر الخوف ترتبط بالأحوال العادية. وبيوميّات الإنسان المُعاشة، أنصحه: «اتبع عقلك»