الرئيسيةرأي وتحليل

في اليوم العالمي للّاعنف..إنه نمط عيش – ناجي سعيد

اللاعنف كما الحبّ لا يستثني أحد، فلو كان قلبُك مفتوحًا على الحبّ فأنت من مُمارسي مبدأ “أهِمسا”.

سناك سوري – ناجي سعيد

لقد وُجدت جائزة نوبل تعويضًا عن الخطأ الشنيع بحقّ البشرية من قبل مُخترع الديناميت السويدي “ألفريد نوبل”، لكنّ القدر قدّم تعويضًا أهمّ بكثير من الجوائز الماديّة لأشخاص مبدعين في مجالات معيّنة، فحين فارق “نوبل” الحياة في العام 1896، كان قد بلغ “غاندي” السابعة والعشرين من عمره.

ولد “موهانداس كارام شاند غاندي” في 2 أكتوبر 1869 في “پوربندر” بمقاطعة “گجرات” الهندية وتنتمي أسرته إلى طبقة فاسيا وإلى المذهب الجانتي ومن مبادئها التي مارستها مبدأ أهِمْسا، وهذا المبدأ هو أن لا تُلحق الأذى بأي كائن حيّ، وكانت هذه الهدية لا بل الجائزة التي قدمها القدر للبشريّة جمعاء، فبغضّ النظر عن معاناة الشعب الهندي وما اقترفته بحقّه دولة بريطانيا.

اقرأ أيضاً: اللاعنف.. والعدّ للعشرة- ناجي سعيد

فقد تعلّم الهنود من المهاتما “غاندي” مفاهيم عدّة، أوّلها وأهمّها: أن اللاعنف ليس مجرّد استراتيجيا نرفعها بوجه العدوّ المحتل فنتحرّر، لا بل أن اللاعنف هو فلسفة ونمط عيش، لو اعتنقها الفرد فيجب أن يعيشها ويطبّقها في أرجاء وزوايا حياته كافّةً. الفردية الشخصية والجماعيّة. فمن غير المنطقي أن تعتنق اللاعنف في الساحات العامّة وتصرّح للإعلام بكل فروعه عن لاعنفيّتك، ثم تذهب إلى المنزل، وتبدأ بالصراخ والشتم لزوجتك لأنها لم تُعدّ لك طعام الغذاء. ومن الذي فرض هذا التوزيع للأدوار؟ في اللاعنف مبدأ المساواة أساسي ومن الأعمدة التي يرتكز عليها.

ففي ثورة غاندي، تكلّف النساء بالاهتمام بالجرحى المُعتدى عليهم من البريطانيين، ولكن غاندي بفلسفة اللاعنف، لم يكن يستثني أي إنسان وفقًا للعمر والنوع الجندري واللون والطائفة.. فاللاعنف كما الحبّ لا يستثني أحد، فلو كان قلبُك مفتوحًا على الحبّ فأنت من مُمارسي مبدأ “أهِمسا”.

فالحب يُلزم صاحبه بعدم إنزال الأذى بأحد. فلو كان غير ذلك، أي يريد الانتقام والدفاع.. فمعنى ذلك أن الخوف ما زال يسيطر على مساحة الحبّ في قلبه. فالخوف هو الغيمة السوداء التي تمنع قيمة الحبّ من ملء القلب، فيساور المرء قلقًا ينتج عن خوفه من الآخر أو سلوك الآخرين.

يقول الشاعر عمر الخيّام: الجنّة والنار هما في ذات نفسك. وهذا دليل على أن المشاعر السلبية والقيم الإيجابية موجودة بداخلنا. وهذا ما اعتمد عليه المهاتما غاندي في ثورته اللاعنفية، حيث ارتكز على المذاهب الروحانيّة والفلسفات الشرقيّة التي يتبعها الشعب الهندي، ولا يُستثنى منها عدّة أصوات أدّت إلى اغتياله من هندوسي متعصّب وكان بعمر الـ 79. وكما يقال بأنّ لكلّ قاعدة شواذ، والشواذ يُثبت صحّة القاعدة.

اقرأ أيضاً: التنمية وبناء السلام_ناجي سعيد

وليس هذا تبريرًا، فالتجربة خير برهان، إن الدول التي اعتمدت منهجيّة اللاعنف بمواجهة مشاكلها، لاقت حلولاً لا تلغي أي من المكوّنات البشرية، بينما العنف وإلغاء الآخر لم يُنتج سوى حروبًا عاثت في الأرض فسادًا. وكـ انعكاس لحياة اللاعنف لا بُدّ من ذكر النتاج الأدبي الذي اعتُبر محاكاة للاّعنف.

فهناك العديد من الشخصيات والقادة والمفكرين الذين بحثوا بعمق في الأبعاد الروحية والعملية للعمل اللاعنفي، منهم: الكاتب والروائي الشهير “تولستوي”، والرئيس البولندي الأسبق والحائز على جائزة نوبل للسلام “ليش فالينسا”، والناشطة الألمانية “بترا كيلي” التي ساهمت في تأسيس الحزب الألماني للخضر، والراهب الفيتنامي المنفي “ثيش نهات هانه”، والصحافية الأمريكية “دورثي دي”، والناشط والثائر الأمريكي “أمون هيناسي”، والعالم الشهير “ألبرت أينشتين”، والمناضل الأمريكي “مارتن لوثر كينغ”، والمناضل الباكستاني “عبد الغفار خان”، والمفكر الإسلامي “جودت سعيد”، وكذلك “جون هاوارد يودر وستانلي هورواس وديفد مكرينولدز وجون غالتينغ” كما نجد أيضاً المفكر الإسلامي الجزائري “مالك بن نبي” الذي له مقال عن المهاتما غاندي بعنوان “تحية إلى داعية اللاعنف”. وكذلك المرجع العراقي السيد “محمد الشيرازي” الذي يعتبر الرائد في نشر ثقافة اللاعنف وكتبه تدل على ذلك. أيضا الشيخ “محمد تقي باقر” اشتهر بممارسة ونشر ثقافة اللاعنف في العراق. كذلك الناشطة الأمريكية “راشيل كوري” التي قتلتها الدبابات الإسرائيلية في عام 2003.

إن تكريس يوم ميلاد غاندي يومًا للاّعنف العالمي، ما هو إلاّ تذكير البشرية بأن ديمومتها لا تقوم إلاّ باللاّعنف، فلو تكلّمنا بيولوجيًّا، فالسلوك العنفي هو نتيجة لألم يصيب الجسد فتكون ردّة الفعل أيضًا جسديّة ولا تمرّ بمنطقة العقل المُفكّر. يغيب التفكير فيغيب اللاعنف. 2 أكتوبر وُلد غاندي وكان أثره بالبشرية قويًّا، ولا زال.. وأخيرًا تحيّة إجلال واحترام لمؤسّسي أونور، رائدي اللاعنف في العالم العربي: د. “أوغاريت يونان” ود. “وليد صليبي”، علّ الجامعة تكون نبعًا ينهل منه من يريد اللاعنف.

اقرأ أيضاً: اللاعنف ومستقبل الإنسان- ناجي سعيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى