أخر الأخبارالرئيسية

في ألمانيا افتقدت توتة أرنبة.. هل نجت من الحرب ياترى؟

سناك سوري – إدلب

من على شرفة منزلي الصغير في بلد اللجوء ألمانيا أمسكت قهوتي أرتشفها، بينما ذاكرتي سافرت بعيداً إلى قريتي في إدلب “أرنبة”، أجل أنا من تلك البقعة الصغيرة التي هجرتها مكرهاً، الحرب كانت أكبر من قدرتي على الاستمرار فيها، تذكرت “التوتة” شجرة التوت العملاقة التي كانت من أبرز معالم القرية.

تبعد أرنبة عن مدينة أريحا حوالي 27 كم في الجهة الجنوبية، في أرنبة كنا نلعب كثيراً ونحن صغار تحت شجرة توت عملاقة، كل أنواع التسلية واللهو التي قد تخطر ببال طفل قروي كان يجدها تحت هذه التوتة، التي مازلت أذكر تفاصيلها كما لو كانت أمامي الآن، جذعها الذي يلتف بشكل دائري يجاوز الـ 20 متراً وبسماكة أكثر من متر بقليل، جدي كان يقول لي إنه يعرف هذه الشجرة منذ كان طفلاً، لجدي أيضاً ذكريات مشابهة تحت التوتة، جدي الذي رحل قبل أن تأتي الحرب ارتاح من عناء التفكير إذا ماكانت التوتة قد نجت من الحرب أم أنها هي الآخرى رحلت كالكثير من أهالي إدلب.

كان لتلك التوتة مدلول ديني فاعتبرت وقفاً للمسجد القديم في القرية فأقدم الناس على تسويرها، يالخيبتهم اليوم أي سور سيتمكن من حمايتها من الحرب والدمار!، أكاد أجزم أنها رحلت، كيف ستصمد في وجه الصواريخ والرصاص وكل هذا الاقتتال الأعمى؟!، أصلاً مَن مِن أهالي قريتي استطاع الصمود؟!، واحسرتاه على كل ماجرى.

تابعت ارتشاف القهوة بينما أغط في خيال عميق أخذني لزمن لن يعود، ولن يتكرر، لقد ذهب فقط، لن آكل من التوتة ولن ألعب تحتها مع أصدقائي، الذين إما سافروا مثلي أو تحولوا إلى مقاتلين على إحدى الجبهات، والتوتة أكاد أجزم أنها بكت كثيراً علينا وماتت حتى بدون قصف، لقد قتلت الحرب روحها وجردتها من ذكرياتها، لقد آلمتها الحرب حتى اكثر من فصل الخريف ذاته، تماماً كما آلماتنا نحن البشر.

استيقظت أنا المواطن السوري “عدنان” من كل تخيلاتي وذكرياتي أودعتها في أحد أركان ذاكرتي، ومضيت باتجاه حياة جديدة لا توتة فيها ولا حرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى