عبد الغفار خان … المناضل المسلم المغيًّب
سناك سوري – ناجي سعيد
“الإناء ينضح بما فيه”، مقولةٌ خطرت ببالي حين طُلبَ إليّ الكتابة عن الشخصية اللاعنفيّة “عبد الغفّار خان”، وهو زعيم قبائل الباهتان في شمال الهند، ومن المُستغرب أنّه ترك كل ممتلكاته في عشيرته وهاجر ليلتحق برسالة غاندي في التعبئة للجهاد المدني.
ولد عبد الغفّار في هاشتناغار في وتمانزاي في بيشاور، مقاطعة في الحدود الشمالية الغربية للهند عام 1890. توفي في بيشاور، بلوشستان، في باكستان، 20 يناير 1988. زعيم سياسي وروحي معروف بالمقاومة اللاعنفية التي عارض من خلالها الاحتلال البريطاني للهند خلال السنوات الأخيرة من حكم الإمبراطورية في شبه القارة الهندية. ويذكر أحياناً تحت اسم بادشاه خان (وقد يكتب: باشا خان) .
اقرأ أيضاً: جنرال في رحلة الوصول إلى اللاعنف_ ناجي سعيد
ملك الزعماء، ومن المكافحين في زمن غاندي، وقد كان من الداعمين لغاندي والشعب الهندي في مواجهتهم ضد التقسيم حيث كان الامتحان العسير عندما طالب محمد علي جناح (مؤسّس دولة باكستان) بانفصال المسلمين عن الهندوس وتأسيس دولتهم الخاصة بهم (باكستان مع بنغلاديش). كان ذلك محنة كبيرة لعبد الغفار خان والمهاتما غاندي اللذان كرسا كل حياتهما لوحدة الهند بكل شيعها وطوائفها وقومياتها. فالصعوبة التي واجهها عبدالغفّار مع غاندي، تجسّدت في طبيعة هويّة السكّان المتنوّعة والتي ترتكز على قوميّات وطوائف ومعتقدات مختلفة.
ومن إحدى منجزاته تأسيس فرقة الـ«خداي خدمت كار» (خدمة الرب) التي بلغ تعدادها في الثلاثينيات نحو مائة ألف مسلم. اتخذت هذه المجموعة برنامجا سلميًا صارمًا يقوم على المحبة وخدمة الآخرين وتحاشي العنف بكل صوره. يتعين لمن يدخل هذه الفرقة أن يقسم بالله على أن يلتزم باللاعنف والنضال من أجل الوطن والامتناع عن الانخراط في أي جيش والابتعاد عن الطائفية والعنصرية وخدمة كل بَني الإنسان من دون أي تفرقة. واستوحت حركة الـ«خداي خدمت كار» المبدأ الإسلامي طاعة ولي الأمر ما دام لم يخرج عن طاعة ربه، وكذلك فكرة كلنا من آدم وآدم من تراب، فلا فرق بين أجناس البشر أو أتباع الديانات المختلفة.
اقرأ أيضاً: شافيز..الجنرال اللاعنفي _ ناجي سعيد
ولم يكن لزعيم لاعنفي بأن يؤكّد على حثّ التابعين له على طاعة ولي الأمر وطاعة الله لو لم يكن مُتأكّدًا بأن الأديان السماوية تدعو للاّعنف، وأن العنف المُلصق بها هو إرهابٌ مرضيّ مقصود. لم يكن عبد الغفّار خان الناطق الرسمي باسم أي جهة سياسية، ولم يُحسب على ملّة ضدّ أخرى، بل كان يبذل قصارى جهده لتطبيق اللاعنف، وليس فقط في الهند وباكستان وأفغانستان، بل في العالم. فنموذج الشجاعة الذي قدّمه عبد الغفّار كان ليوضح تمامًا بأن اللاعنف ليس نهج الجبناء الذي يخافون المواجهة.
وبعيدًا عن الاستعراض قدّم عبدالغفّار خان رجاله المؤمنين باللاعنف ليناضلوا لاعنفيًّا، فمن يعرف بأن رجال عبدالغفّار هم الذين تلقّوا الضربات من عصي جنود الإنكليز في مسيرة الملح؟ هذا لأنهم لم يحاربوا من أجل شخص عبد الغفّار، بل من أجل قضيّة اللاعنف التي انتصرت على بريطانيا وعظمتها. قد ينضح الإناء بما فيه سلبًا، فمن يعيش حياةً عنفيّة ويربى في بيئة عنفيّة يمارس العنف بلا هوادة. ومن يكبر في بيئة لاعنفيّة يمارس لاعنفيّته، لينضح إناؤه بشكل إيجابي بما فيه.
لكنّ من المُستغرب أن يكون الإناء ذهبيًّا، كإناء عبدالغفّار، ومع الإناء ملعقة ذهب في فمه، فيرمي كلّ هذا، ويمضي في نضاله مع المظلومين ضدّ الظلم والاستعمار، وبأساليب لاعنفيّة، فهو متأكّد بالطبع من انتصار قضيّته المُحقّة التي انتصرت فعلاً. الله محبّة وهو خالق البشر.. والإناء سينضح بما فيه.
اقرأ أيضاً: التنمية وبناء السلام _ ناجي سعيد