“صدمة موسيقية” أم “موسيقى بديلة”؟ – شاهر جوهر
بدلاً من "أم كلثوم" شكلاً ومضموناً هناك "بو كلثوم" بشكل بديل ومحتوى بديل
تكاد تخلو المكتبة العربية اليوم من كتب الموسيقى، وإن حدث وقام أحدهم بتدوين تاريخ الموسيقى في بلادنا خلال السنوات القادمة أعتقد أنه سيؤرخ للحالة الفنية الموسيقية التي نستمع إليها اليوم بشيء من التفصيل، خصوصاً تلك الممتدة من العقد الثاني من الألفية الأخيرة لما لها من استقلالية شكلاً ونوعاً.
سناك سوري – شاهر جوهر
في العموم يمكن القول أن الموسيقى العربية قبل وصول “عمرو دياب” لم يكن بها أي تطوير يمس الموسيقى الشرقية، وهو أمر يبدو بات واضحاً للجميع، وحتى ذاك الحين كان المحدّثين في مجال الموسيقى أسرى لألحان وكلمات “عبد الحليم” و”أم كلثوم” و”فريد الأطرش” و”أسمهان” و”فهد بلان” ومن في سواهم ممن اتبعوا الأسلوب الطربي الهادئ، حتى كان لسويّة الذوق الفني هذه نتائج مؤسفة غالباً، أفسدت مَلكته النقدية وكرّست أحكاماً جائرة لسنا بصددها الآن.
كان “عمرو دياب” بمثابة صدمة موسيقية للجيل الجديد والقديم، وكما قال “ديستوفسكي” عن الأدب الروسي: “كلنا خرجنا من معطف غوغول”، يبدو وبلا مبالغة منذ ثلاثين عاماً وحتى الآن أن جميع الموسيقى العربية الحديثة خرجت من حنجرة “عمرو دياب” بشكل عام ومن أغنيته “نور العين” بشكل خاص، حتى امتد نجاح موسيقاه إلى ما وراء حدودنا، حتى أسست هذه الأغنية ما نستطيع أن نسميه “موسيقى بديلة” لازالت آثار امتدادها لليوم في جميع البلدان العربية ومنها سوريا بمحيطها الشامي على وجه الخصوص.
الجيل الثاني للموسيقى البديلة
منذ النصف الثاني للتسعينيات وحتى العام 2008 على وجه التقريب، أخذت الموسيقى الغربية والتجارب الموسيقية الغربية تغزو بشكل كبير الساحة الغنائية العربية، وفي كثير من تلك التجارب كانت تُحيَّد فيها الموسيقى الشرقية بشكل واضح، لكن مع التأكيد والحفاظ على الخصوصية المحليّة بالغناء باللغة العربية سواء الفصحى أو المحكيّة (أصالة نصري مثلاً – “حماقي” – تامر حسني ..) وسواهم.
اقرأ أيضاً: “غني ميروز”.. جمع الموسيقى الكردية مع الإسبانية ونال الجائزة الذهبية
لكن منذ العقد الأخير (بعد العام 2008) انحرف مسار الموسيقى الغنائية بشكل كبير، وباتت تطفو على السطح موجة موسيقية جديدة، جيل جديد يتسم بالخفة والسرعة والانفلات من الرتابة الموسيقية المعتادة، وذلك بالإضافة إلى اعتماد اللحن الغربي بالمزج بين مفردات عربية وأخرى غربية.
هذا التخفيف والمزج في هيكل الجملة المغناة كان مفيداً للاذن الجديدة، خصوصاً للجيل الذي لم يتجاوز العشرين عام، حيث تعلو شعبيته بشكل كبير في الصالونات والنوادي ووسائل التواصل الاجتماعي اليوم.
المفيد في القول هنا في خصائص هذه الموسيقى وما يميزها عن سواها كما هو واضح اعتماد كلمات قصيرة وسريعة وقفلات في أغلبها بمفردات أجنبية، تأخذ في عمومها أسلوب الراب لكن لا يمكن وضعها ضمن موسيقى الراب لأنها أكثر وضوحاً من الراب وأقل تعصباً والتزاماً من أغاني الجيل السابق “الأغاني التقليدية الكاملة”. كما لا ننسى أنها تعتمد على حركات المؤدي التي تطغى أحيانا على الموسيقى التقليدية كنقر الأرجل مثلاً أو صفق الأيدي أو الصفير طوال مدة الأغنية.
هذا ولا ننسى أن حامل لواء هذه المرحلة أشخاص يمكن أن نصف تحركهم حرفياً ب”مافية موسيقية” ذكية تحتاج الدعم، إذ أن روادها باتوا أكثر تنظيماً وانضباطاً رغم غنائهم بشكل فردي، كما يطلقون على أنفسهم أسماء أكثر حركة ورمزية لتتلائم مع مرحلتهم وخططهم، من مثل (بيغ سام، الأخرس، سكوترم، بيكو، سيلاوي، مُسلم، وبو كلثوم والتونسي رضا ديكي وغيرهم)، أي كأنهم يقولوا نحن الحزب البديل للموسيقى التقليدية، أي بدلاً من “أم كلثوم” شكلاً ومضموناً هناك “بو كلثوم” بشكل بديل ومحتوى بديل.
لهذا نحن أمام جيل جديد لا يمكن ذمّه ولا مدحه بشكل مكتمل فيما يحاول أن يقدمه الآن، لأن الموسيقى العربية الآن على يد هذا الجيل في مرحلة انتقالية ومرحلة مخاض، تحتاج منا منحها فرصة لترتيب أهدافها ورغباتها لا انتقادها، وأعتقد أنها ستبهرنا في الأيام القادمة حين تخرج من مرحلة المخاض هذه، لذا ليس من المستبعد أن نشهد في الأيام القادمة ثورة موسيقية تقلب الموازين وتطيح بتابوهات الموسيقى التقليدية، لأنها موسيقى متمردة، حرة ومنفلتة من أي ضوابط.
اقرأ أيضاً: عُقدة التسعينيات وعُقد 2022 ومابعدها- شاهر جوهر