الرئيسيةرأي وتحليل

سوريا التاريخية: نقل مركز الثقل من دمشق وبداية الدولة الدينية

قيام الدولة العباسية… وكيف أثرت بالانقلابات المعاصرة في سوريا والمنطقة

حسان يونس – سناك سوري

مع مرور الذكرى 1270 على سقوط دولة بنى أمية، بانتصار العباسيين في معركة الزاب الأكبر، قرب الموصل، شمال العراق في 24 نيسان  750م/132هـ، ومن ثم مقتل آخر الخلفاء الأمويين مروان بن محمد، بعدما كان المنتمون إلى الدعوة العباسية قد أسّسوا تنظيمات سرية للانقلاب على الأمويين وألحقوا بهم هزائم متتالية بدءاً من وسط آسيا وانتهاء بالعراق، وما نتج عن ذلك من ترسيخ للسلطة العباسية في الكوفة ومن ثم في بغداد.

وبغض النظر عن الغطاء الديني المعتاد الذي تتسلّل تحته الصراعات السياسية وتتقنّع به المصالح المحدودة للفئات الاجتماعية المختلفة، فان سقوط الدولة الأموية في هذا التاريخ وانتقال العاصمة من دمشق إلى الكوفة، ثم بغداد مثّل تحولاً في تاريخ المنطقة لا يقل خطورة عن اجتياح الفرس لبابل 539 ق.م، وجه الشبه بين الحدثين هو أن كلاهما شكّل نافذة تسلّل منها النفوذ الخارجي إلى الإقليم، فبعد سقوط بابل 539 ق.م خضعت المنطقة للنفوذ الفارسي واليوناني والروماني والبيزنطي مدة ألف عام حتى مجيء الإسلام وتشكل الدولة الأموية، التي اعتمدت في هيكليتها على العرب، وأعطت لهم ميزة على مواطني البلدان المفتوحة، والذين أُطِلق عليهم “الموالى”، وكان ذلك من أسباب زيادة الكره ضد الدولة الأموية، وهو ما شكّل بالإضافة الى عوامل أخرى ثغرة تسلّل منها العباسيون، الذين كانوا أول من استخدم عناصر غير عربية، مثل أبى مسلم الخراسانى الذي نجح في استمالة العرب والفرس في خراسان، فيما عرف بـ “الثورة العباسية”.

اقرأ أيضاً:إراقة دم المدنية السورية بسيف البداوة- حسان يونس

وبعد استيلاء العباسيين على الحكم انحازوا بداية إلى الفرس والى القليل من العرب وتحديداً من سكان العراق واليمن، بينما تم تهميش باقي القبائل العربية، وفي زمن لاحق تم الاعتماد على العنصر التركي بدءا من عهد المعتصم 833م/218هـ (ذو الأصول التركية من ناحية الأم)، وخليفته المتوكل بالله، حتى اتخذت الدولة العباسية طابعا آسيويا وابتعدت تدريجيا عن البحر المتوسط، وأصبح لثنائية الفرس والترك سطوة على مقاليد الحكم، وصولاً إلى تغلّب العنصر التركي مع سقوط الدولة البويهية وقيام الدولة السلجوقية 1055م، ومن ثم وليدتها الدولة العثمانية، اللتين لا تزال ذيولهما تتأرجح في المشهد السياسي المعاصر من خلال العثمانيين الجدد.

مثّلت بغداد على الدوام نافذة لتسلّل النفوذ الخارجي إلى المنطقة، فبعد سقوط بابل 539 ق.م، وبعد قيام السلطة العباسية في بغداد 754م وفتحها الباب تدريجيا أمام تسلّل العنصرين الفارسي والتركي تحت لبوس الإسلام، جاء الغزو المغولي ليجتاح بلادنا من نافذة بغداد بقيادة هولاكو خان في 1258م، وفي العصر الحديث شكلت بغداد بعد الغزو الأمريكي في 2003 م نافذة اجتاح من خلالها النفوذ الإيراني والأمريكي منطقتنا ولا زال، وفي كل مرة كان الأهالي يقعون ضحايا.
النقطة الأخرى أن انتقال مركز الثقل من دمشق إلى بغداد أدخل المنطقة في دائرة الدولة الدينية، التي ظهرت جليّة في عهد المتوكل بالله 847 م بضغط من جنوده الأتراك واللافت أن المتوكل حاول الخروج من هذه الحلقة المفرغة فنقل عاصمته إلى دمشق، لكن نفوذ الجنود الأتراك كان ملتفّا حول عنقه، فأعاده إلى بغداد، ورسّخ من مظاهر الدولة الدينية التي لا تزال مستحكمة في أنظمة الحكم في العالم العربي مهما تغلّفت بعناوين العلمانية والتقدمية، خلافا للدولة الأموية، التي كان الصراع السياسي خلالها عاريا من الأقنعة الدينية المزيفة.

ومن اللافت أن الانقلابات العسكرية التي شهدها التاريخ السوري والعراقي الحديث بكثافة خلال مئة عام، كانت تتم بذات طريقة الانقلاب العباسي على الأمويين من حيث التنظيمات السرية واستغلال الثغرات القومية والاجتماعية (ما عدا أن الانقلابات المعاصرة اعتمدت الدعوة الحزبية بديلا للدعوة الدينية التي تقنّع بها العباسيون في بدء تحرّكهم)، وتصفية الخصم بالضربة القاضية اعتماداً على منهج ملكات النحل في اعتلاء العرش، ذلك أن العباسيين بمجرد سيطرتهم على الحكم قاموا بملاحقة وقتل ونبش مقابر جميع خلفاء وأمراء الدولة الأموية ما عدا الخليفة عمر بن عبد العزيز، ومن المؤسف أن هذه التصفية الدموية الجذرية للخصم استمرت في تعامل كافة الأنظمة الوليدة في منطقتنا مع خصومها، سواء تعامل الأيوبيين مع الفاطميين، والعثمانيين مع المماليك، ومحمد علي باشا في مصر مع المماليك، وهو ما انعكس في تعامل الانقلابات العسكرية حديثا مع خصومها، في حالة تكرّس الأحادية والفشل السياسي الذريع قديما وحديثا لمجتمعاتنا .

اقرأ أيضاً: سوريا وتاريخ من الغزو باسم الله – حسان يونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى