أخر الأخبارالرئيسيةسناك ساخريوميات مواطن

سجل تجاري لتاجر مزعوم.. قصة حقيقية- حسين خليل

حكاية تاجر مزعوم وملايين القروض

مثله كمثل معظم الفقراء الذين تضطرهم ظروف الفقر للاستدانة من الحكومة بغية شراء منزل أو حتى بنائه، على شكل قرض عقاري هذه المرة، فقد حمل “ناجي” مصنف الأوراق العتيد الذي يحمله كل مواطن تضطره الظروف للتعامل مع الدوائر الحكومية وركب السيارة الأولى نحو اللاذقية و” اتكل على الله”.

سناك سوري – حسن خليل

كان قد نسق هاتفياً مع معقب معاملات له باع طويل، ورسم في خياله صورة وردية للحكاية بعد أن أقنعه ذلك المحتال بأن الأمور بسيطة و الإجراءات سريعة بالجملة الشهيرة (أمورك بالسليم)، ماهي إلا بضعة أيام، و بضعة آلاف، و كفيلين، لتحصل على المليون.

مع مرور الوقت و بعد المباشرة بإجراءات القرض بدأت الأمور تتعقد و تتشابك على شكل قصة سورية حزينة، و بدأت الأيام تسحب بعضها بعضا، والتكاليف تتضاعف، والمصنف الذي يحمله يزداد سماكة شيئاً فشيئاً، بعد أن أضيفت إليه ثبوتيات شروح البلدية، و براءات ذمة من جهات لاعلاقة لها أساساً، و تصحيح أوصاف من العقارية و إزالة شيوع من المحكمة ذات العلاقة ووثائق لا تخطر حتى على بال “إبليس”. موقع سناك سوري.

اقرأ أيضاً: المجنون لا يفكر بإنجاب عصفور في هذه البلاد – حسين خليل

وبينما كان حالم المليون في طريقه لقرضه فجأة تعثر… وأوقف البنك إجراءاته: «ليس هناك من كفيل»، ورغم كثرة الأصدقاء من حوله لم يجد كفيلاً (كلو مقترض ومنتوف) ومن هو غير مقترض لديه مبرر منطقي جداً «هذه البلاد ليس فيها ضمانات».

أنقذني يا معقب المعاملات كما ورطتني

في محاولة أخيرة لانعاش القرض اتصل صاحبنا “ناجي” بمعقب المعاملات:
– أستاذنا الغالي (المحتال) .يعني ما في حل .هيك هيك دبرها!!
المُعقب: إي غالي في حل وحيد، إذا بدك تسحب القرض وما تروح عليك المصاري اللي خسرتا بدك تعمل (سجل تجاري).
ناجي: خلص اتكل ع الله فورا .

لم يكن يعلم عن ماذا يتكلم (الأستاذ) ولا حتى ماذا تعنيه هذه الكلمة “سجل تجاري” و لا مدى نفعها أو ضرها، إنه فقط يريد أن ينقذ قرضه العقاري ويحقق حلم رؤية المليون والاستثمار به في عقاره، وفعلا كان له ذلك، لقد حصل على سجل تجاري مقابل (ثبوتيات وهمية ) تثبت بأنه تاجر للمواد الالكترونية، وذلك عبر بعض الرشاوى وبـ(شطارة ) الأستاذ سابق الذكر.

أخيراً وبعد 11 شهر من الإجراءات، ومبلغ يُعادل ربع المبلغ المسحوب، و(سجل تجاري شبه مزور)، حصل على المليون، صرفها في مدة لا تتجاوز الشهرين، ثم بدأت قصة التبعات و عواقب الأمور. سناك سوري.

وراك وراك والسجل التجاري طويل

كان “ناجي” اسم مستعار جالسا يحتسي (المتة) في مقر عمله الوظيفي ويمارس النميمة “وقد أودع القلق في منزله”، وإذا بـ (شرطي الناحية ) يسأل عنه، والمعروف في قرانا أن الشرطة عندما تسأل عن أحدهم، فإن كارثة كبيرة وشيكة الوقوع أو أنها قد وقعت فعلا، وعندما وصل إليه سلمه ورقة صغيرة وقال:
-اتفضل وقعلي هون
ناجي: خير غالي شو هادا
الشرطي: استدعاء من محكمة البداية الجزائية في جبله.
ناجي:اي و خير انشاله شو الموضوع
الشرطي: انزل و هنن بيخبروك شو بيعرفني أنا.

في صبيحة اليوم الموعود كان على باب المحكمة .وقامت كاتبة القاضي بطمأنته بأنها دعوى روتينية من وزارة التموين يدفع المدعى عليه بموجبها مبلغ (400) ليرة سورية لقاء تأخره عن التسجيل، و( طاب الموت يا عرب) هذا كل ما هناك، و عند وقوفه أمام القاضي سأله على الفور
-أنت فلان.
-نعم أنا فلان
-عطيني هويتك.
سجل القاضي بيانات الهوية ثم نطق بكلمتين (تؤجل الدعوى إلى تاريخ كذا ..كذا).و بتاريخ (كذا و كذا ) عاد صاحبنا ليقوم القاضي بتأجيل الدعوى، مرة ومرتين و ثلاثاً حتى بلغ السيل الزبى فانفجر في وجه القاضي قائلا:
ناجي: يا سيدنا خلصني يرحم أمواتك، بدي اخلص
القاضي: تكرم عينك دفاع سبعة وأربعين ألف (47000) وخلاص
ناجي: هداك اليوم كانو 400 ليرة
القاضي: إي عم يطلع عليهن فوائد.

اقرأ أيضاً: لماذا لا نرى ناطحات السحاب في سوريا؟ – حسين خليل

خرج “ناجي” من باب المحكمة يسب و يلعن الساعة التي حصل فيها على سجله التجاري بعد أن قطع وعداً للقاضي و للحضور بأنه لن يدفع قرشا واحداً ولو أدى ذلك لوصوله إلى حبل المشنقة.

ولم يُلقِ أذناً فيما بَعد للتباليغ التي كانت تأتيه، وقرر أن (يركب رأسه) انتظاراً لأحد مراسيم العفو التي قد تشمل جريمته هذه.

جريمة القاضي أسهل من جريمة القرية

و على مقلب آخر فقد تم اتهامه في القرية بأنه وقع على كنز ما أو أنه يتاجر بالبورصة وبدأ الجيران يتداولون بأنه ينام على ملايين الليرات و أصبح مضروباً بـ(حجر كبيرة) كونه يملك هذا السجل التجاري.

و فيما بعد خسر غالبية أصدقائه و أقربائه لأنه لا يكفلهم في قروضهم بهذه الورقة اللعينة التي جرَّت عليه الويلات التي كان آخرها حرمانه من الدعم الحكومي و التي لو حصلت ستكون الضربة القاضية وخاتمة الأحزان وكل هذا بسبب (سجل تجاري لتاجر مزعوم).

اقرأ أيضاً: الفرق الجوهري بين أزمتنا الراهنة وأزمة الثمانينات- حسين خليل

زر الذهاب إلى الأعلى