إقرأ أيضاالرئيسيةيوميات مواطن

هجرة إلى ألمانيا لشرب الماء: سبب مقنع للجوء.. شاهر جوهر

قبل أن يلجأ أودع عندي كيس الخيش ...

لقد اختار الهجرة إلى ألمانيا، باع كل شيء، بيته، غرفة نومه، حتى صحون المطبخ، كل ذلك ليقوم بشرب الماء على راحته. وقد جائني مودعاً بعد أن أراح كتفه من “كيس خيش” فيه كتبه. غَسَلتْ عيناي على عجل هيئته وهندامه، ربما هي آخر مرة أرى فيها فتحة قميصه التي غصت بشعر صدره المعقوفة كذيول عقارب “كالاهاري” ، شعره المصفوف إلى وراء بلا مثبتات شعر في نمط تسعيني كذيل حصان، بنطاله القماش وقميصه الفضفاض وقد أخفى كرشه في مشدّه القطني الذي قرر التأقلم معه على مضض ..

سناك سوري – شاهر جوهر

لأني أعلم أن كل تلك الصفات لا تجتمع إلا برجل واحد في قريتي ، وهو “رزق الله”، وقف أمام بيتي بوجه أسمر جميل مثل سمرة حوض النيل وقد تورمت أوداجه من التعب. وبعد ذلك أسند يده الناحلة على كتفي وقد أقفل عيناه وهو يلهث:
– شاهر …!
– نعم ..؟
– آه… ما أبشعك .. وأبشع الطريق الى بيتك يا رجل

أجبت ممازحاً:
– أبي يحب أن يكون دائماً في القمة لهذا بنى بيته في الهضبة .
– تقصد لهذا السبب انقرضت عائلتك

سكت وهو يجمع أنفاسه :
– غداً أنا ذاهب إلى “ألمانيا” قررت الهجرة والرحيل عن كل هذا العفن من حولنا، وعن معزايات جاري أبو صلاح، وعن كل من تاجر بنا. المهم في هذا الكيس كتب لم يشتريها أحد لذا اعتني بها وإن عدت أخذتها.. أكرر (إن عدت أخذتها منك، وإلا أسترد ثمنها منك باليورو…)

رددت مستغرباً:
– إلى المانيا ..؟
تنهد ورد بإصرار :

– آه .. نعم.. إلى الجميلة “ميركل
– ولما الآن ..؟
– لأني أريد شرب الماء المثلّج أليس سبباً كافياً للهجرة إلى ألمانيا؟ .. أربع سنوات لم تأت الكهرباء ولم أشرب ماء بارد يا رجل، إفهمني لا أحد يفهمني هنا. لم تسقني هذه الحرب سوى الماء الـ….

وكمن تذكر شيئاً:
– أنظر، هذه صورة صديقي وعائلته في برلين أنظر جيداً الى الكولا المثلجة والماء البارد، انظر كيف تتعرق وتتندى من البرودة .

ثم فتح هاتفه وأخذ يقلّب صور صديقه هناك .

اقرأ أيضاً : حين أصبح “الفقر” رجلاً لجأ إلى ألمانيا!

قلت برجعية محضة ومكررة:
– ما رح تلاقي هوا أطيب من هوا بلادنا.
– يلعن أبو هالعيشة معك ، من هالناحية طمن بالك يا رومنسي، خمس سنين وأنا باكل هوا ، لهيك شبعت من هوا بلادي..

أقفل حديثه، احتضنني بقوة، قبّلني بتكرار، وغرقت عيناه بالدمع، لست أقول بالبكاء ، إنما بدمعة واحدة فقط اختنقت فوق كتلتين من اللحم الأسمر في وجهه، وضع كتبه على الأرض وقال لي بوجع:

– إنتبه لنفسك، قد لا نرى بعضنا بعد اليوم، فبعد أن عبث الشيطان في بلادنا قد نموت في أي لحظة، أنت الوحيد الذي أقوم بتوديعه، أتعرف لماذا?

– لأني أحلا واحد في هذه القرية مثلاً?(قلت لعلّي أغيّر جو الكآبة الذي خلقه وداعه لي).
– بل لأنك أغبى شخص عرفته في هذه البلدة، لأنك مثلي ضحية حرب لم تكن طرف فيها ، وفوق كل ذلك خسرنا كل شيء، و(هم) ربحوا كل شيء. أنظر كيف سرقوا أسلاك الهاتف يا رجل، ودمروا هذا الوطن.

(ثم أشار بيده الى حفرة قامت عناصر تتبع لاحدى فصائل المعارضة المسلحة بصنعها وسرقة خطوط الهاتف منها لبيعها).
وفوق كل هذا تريدني أن أبقى، لن أبقى، سأذهب الى الحجة “ميركل”، هناك يوجد قانون يحميني، ويقال أن عندها ماء مثلج لا يشبع منه أحد.

رحل ، وعلى إثره، خمّنت كيف شرّدت ودمّرت يدانا هذه البلاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى