رفعوا الراية الحمراء.. ذكريات الزلزال في مشفى حلب الجامعي
في الغرفة "418" جلس طفلان يتقاسمان القدر ذاته لكن أحدهما يعلم والثاني لا
كان يوم السادس من شباط الماضي، يوماً حامي الوطيس.. أحمراً.. ساخناً.. كظيماً، على مشفى حلب الجامعي وطاقمها الطبي. لم تكن سنين الحرب لتُخلّف يوماً دموياً وأليماً في ذاكرة المشفى، كما فعل الزلزال.
سناك سوري-صفاء صلال
شرعت مشفى حلب الجامعي أبوابها لاستقبال الناجين من الزلزال وضحاياه، مع تسارع الوقت رويداً رويداً، امتلأت أسرة المشفى وغرفها بالمصابين. وحتى اليوم يخرج منها صدى أنين لوجع جماعي سكن في تلافيف المشفى، لا قدرة ولا طاقة لذلك البناء الضخم ولا من فيه على احتماله.
خيّمت أصوات سيارات الإسعاف على شوارع حلب بُعيد نصف ساعة على الزلزال، لم تمر دقيقة على المدينة إلا وتطوف سيارات الإسعاف فيها تحمل المصابين والضحايا. الذين أُجلوا من تحت الأنقاض، وناجون يقصدون المشفى بحثاً عن ذويهم بين غرف العمليات أو البرادات، في وقت يسابق فيه الكادر الطبي الضوء لإنقاذ ما يستطيع من الناس، لكن أعداد الضحايا الذين لم يحالفهم الحظ بالنجاة كانت بازدياد وقتذاك.
استنفر الكادر الطبي في المشفى الأضخم بالشمال السوري، ورفع الراية الحمراء. وهي راية ترفعها الطواقم الطبية في حالة الكوارث المستعصية لرفع جهوزيتها.
اقرأ أيضاً: الدفاع المدني.. قصص مؤلمة لحكايا دُفنت تحت الأنقاض مع أصحابها
بعد الـ4 ليس كما قبلها
يروي الطبيب السوري مناف شربتجي عن ليلة الفاجعة، لـ”سناك سوري”، مستذكراً أنها كانت ليلة هادئة وطبيعية لنوبته، لكن بعد الساعة الرابعة فجراً ليس كما قبلها. حيث هرع المرضى إلى ساحة الإسعاف بعد الهزة الثانية للزلزال وهي الأقوى، حوالي ربع ساعة وعاد المرضى إلى غرفهم، ليعلن النفير العام في المشفى لاستقبال المصابين جراء الزلزال.
احتضنت المشفى خلال الساعات الأولى 150 جسداً مصاباً، و46 جثمان وصلوا إلى المشفى متوفين. وشغل ضحايا الزلزال 10 غرف عمليات بآنٍ واحد من 16 غرفة عمليات ضمن المشفى الجامعي.
في الغرفة رقم (418) يرقد ناجون من تحت الركام، لكن المُحزن أنهم يتشاركون الألم ذاته فالطفلان خسرا عائلتهما، أحدهما يعي الخسارة والآخر لا.
تربت خالة الطفل محمد ذو الـ 10 أعوام، على كتفه، الطفل الذي أُجلي من تحت أنقاض منزله في منطقة صلاح الدين، بُعيد أكثر من عشر ساعات، ترك الزلزال ندبة حمراء داخل عينيه. بالإضافة إلى جروح وكسور في جسمه، ربما تلتئم الكسور الجسدية. لكن جرحه الغائر الذي لم تخبره به خالته حتى اليوم “أنه فقد عائلته بسبب الزلزال” لن يندمل وسيبقى كما الندبة بعينه. أحس الطفل لحظة الزلزال ” أنه يوم القيامة ” ولا يتذكر تفاصيل أخرى سوى أصوات عائلته وهي تستنجد تحت الأنقاض. فيما يتمنى الطفل خلال حديثه مع سناك سوري أن يمتلك ورشة لتصنيع الأحذية، لأن والده يحب هذه المهنة .
في ذات الغرفة مقابل سرير محمد، أمست الطفلة آية حمشو (13) عاماً وحيدة هي الأخرى، بلا والديها. لكن المفارقة أنها تعلم خسارتها، أُجريت عملية ليد آية ورُكّبت لها أسياخ حديدية لشدة الكسر الذي تعاني منه.
تقول آية : «وقعت أحجار على يدي وكنت أصرخ لكن عندما سمع والدي صوتي قلت له. بابا .. بابا .. أنني بخير». لم تعد الفتاة تسمع صوت والدها الذي يقبع تحت الركام.
ما ضل شي
لم يخطر ببال آية وهي تحت الركام سوى “عجب سأخرج وبابا وماما أم لا”، ولا تتمنى أي شيء لأن “ما ضل شي وما في شي” حسب قولها.
” نحنا درسنا الزلزال بس ما عرفناه قبل” بصوت متهدج تبدأ السيدة الأربعينية “ملك الحاج أحمد” حديثها, السيدة التي انتشلتها فرق الإنقاذ من تحت الأنقاض بعد أكثر من 12 ساعة على البحث بمنطقة شارع بارون. وتردف «عندما تتعامل مع الحجارة والباطون تحس بالقسوة والفظاعة».
تحاول السيدة سرقة الهواء بصعوبة أثناء حديثها، فهي أصيبت بنزيف حاد في رئتيها ورُكّب لها مفجر بالإضافة إلى كسور في جسدها.