رأس المواطن العادي يتعرض للقصف المركز في شهر نيسان – أيهم محمود
الموارد لا تكفي، وعلى المواطن العادي التخلي عن الأشياء لصالح المواطن الاستثنائي!
لم تكد عاصفة البندورة تنتهي، حتى أتت وراءها مسرعةً عاصفة السيارات الخاصة، شهر نيسان مشهورٌ بتقلبات طقسه وهو لم ينتهِ بعد، أتوقع بشكل شخصي عاصفة في نصفه الثاني تشابه العاصفة الغبارية الشهيرة المرتبطة به.
سناك سوري-أيهم محمود
في تصريح البندورة تم النطق بالحقيقة التي تجنبت النخب الاقتصادية ذكرها خلال سنوات الأزمة لأنها كانت بحاجة إلى خدمات المواطن “العادي” في الدفاع عن مصالحها والدفاع عن وجودها، لقد تم تقسيم المجتمع السوري إلى شريحة عادية يجب عليها أن تستهلك البندورة في موسمها فقط، وشريحة أخرى استثنائية يحق لها استهلاك ما تشاء وما ترغب من المنتجات المحلية والخارجية في أي وقت دون قيود تحكم هذا الاستهلاك، يشاركها في هذا الحق الاستثنائيون الخارجيون الذين نُصدّر لهم منتجاتنا الزراعية لكي يتم تأمين ما يحتاجه الاستثنائيون المحليون من أموال، المواطن “العادي” هو وحده من عليه أن يتقشف لوجود حصار على البلاد لكي يستطيع مواطن الدرجة “الممتازة” الاستمرار في حياة الرفاهية حتى لو جاع كل العاديون أوحتى قضوا من الجوع.
دعا التصريح الثاني أصحاب “الدخل المحدود” إلى استخدام وسائط النقل الداخلي بدلاً من السيارات الخاصة، تمسّك المواطن محدود الدخل باستخدام سيارته يشكل عبئاً كبيراً عليه وعلى الحكومة أيضاً، “أصحاب الدخل المحدود” هو تعبير مهذب يشير إلى المواطن الذي اتفق القطاع العام والخاص على تقليص قيمة راتبه عشرين أو ثلاثين ضعفاً ليتحول من مواطن سوري إلى مواطن “عادي” وفق درجات سلم المواطنة الذي أرساه تصريح البندورة السابق.
اقرأ أيضاً: الجهني: البندورة للمستهلكين الاستثنائيين وليست لعامة الشعب
نتفق مع الدعوة إلى استخدام وسائط النقل العامة فهذا الأمر صحيح بيئياً واقتصادياً وأخلاقياً خلال الأزمات وخلال أيام الوفرة أيضاً، لا نختلف مع هذه الحقيقية بل نؤيدها أشد التأييد في حال لم تكن فكرة عنصرية أخرى تتقنع بتعابير مهذبة ولطيفة، لو شملت الدعوة توقف المسؤولين عن استخدام أسطول سياراتهم الخاصة، لو شملت الدعوة أيضاً مواطني الدرجة الأولى والدرجة الممتازة، لكان الأمر فكرة حضارية ستُحرج كل دول المنطقة، بل دول العالم كله في عصر اضطراب امدادات النفط وتلوث البيئة وارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، لكنها للأسف لم تشمل كل هؤلاء بل شملت فقط “أصحاب الدخل المحدود” لتنصحهم برمي سياراتهم وأحلامهم وآخر آمالهم والتوجه إلى النقل العام الذي هو غير موجود ويعاني من نكبات قاتلة.
لقد تم القضاء منذ سنوات طويلة سابقة للأزمة الحالية على قطاع النقل الداخلي الحكومي ولم يتم استبداله بشركات خاصة بل تم استبداله بسيارات صغيرة ملوثة للبيئة يملكها أفراد، لقد تم تدمير قطاع النقل العام حرفياً لحساب سيطرة السيارات الخاصة واليوم نقول للمواطن “العادي” فقط أن كل هذه القرارات كانت خاطئة لكن عليه وحده عبء دفع ثمنها، المواطن “الممتاز” ليس له علاقة بهذه الفاتورة مُستحقة الدفع، ولا المسؤولين الذين أصدروا هذه القرارات، الموارد لا تكفي الجميع وعلى المواطن “العادي” أن يتخلى عن كل شيء لكي يستطيع “الاستثنائيون” متابعة نمط حياتهم المعتاد، لو شهدنا ظاهرة انتقال كبار الموظفين في باصات النقل العام بعيداً عن جلسات التصوير الفجة التي تقلد بعض الحالات العالمية لفهمنا هذا الأمر بصيغة أخرى غير صيغة تحميل رأس المواطن العادي المزيد من التهم والمزيد من الضربات الموجعة، بل القاتلة.
اقرأ أيضاً: معاون وزير الصناعة: من لايستطيع ركوب سيارته بسعر البنزين العادي بلا مايركبها
يبدأ التغيير الحقيقي بالكف عن تقسيم المجتمع بشكل عنصري إلى نوعين من المواطنة، يبدأ التغيير بالتوقف عن رمي الاتهامات على الآخرين لتبرير فشلنا الذاتي في إدارة الأزمات، أول الصدق مع الذات هو سؤالٌ صريحٌ لها: “هل نحن قادرون فعلاً على تحسين ظروف حياة جميع السوريين دون الاضطرار إلى اختراع تقسيمات عنصرية مخجلة؟”.
إن كان الجواب “لا”، فالكرة في ملعب “المصرّحين” وليس في ملعب “المواطن العادي” الذي تنهال عليه القرارات التجريبية وفوقها تأتي التصريحات التي هي أقسى من القرارات على نفسه شِبه الحطام.
اقرأ أيضاً: المواطن السوري المزعج في عصر الإنترنت – أيهم محمود