دراسة: السوريون لا يعتبرون البيئة آمنة بغياب العنف فقط .. بل بصون الكرامة الإنسانية
البيئة الآمنة في الوعي السوري تتطلّب أمناً وخدمات وعدالة ومشاركة وشفافية
أصدرت منظمة اليوم التالي دراسة موسعة جديدة بعنوان “المقاربة المجتمعية للبيئة الآمنة والمحايدة في سوريا بعد سقوط الأسد”، اعتمدت على استبيان ميداني واسع شمل 2296 مشاركاً من مختلف المحافظات السورية، بهدف رسم تصور مجتمعي شامل للبيئة الآمنة ومتطلباتها بعد سقوط النظام في كانون الأول 2024.
سناك سوري _ دمشق
وتشير الدراسة إلى أنّ سوريا شهدت “نزاعاً واسعاً خلف دماراً عميقاً في البنى التحتية، وتفككاً داخلياً وهوياتياً هو الأكبر في تاريخها الحديث”. وتضيف أن المرحلة الانتقالية أبرزت مفهوم البيئة الآمنة بوصفه “حجر الزاوية في أي مقاربة لإعادة الاستقرار وبناء الدولة”. وتنطلق الدراسة من فرضية أن البيئة الآمنة “لا تُختزل في غياب العنف أو وجود أجهزة أمنية رسمية فحسب، بل تفهم مجتمعياً بوصفها إطاراً حياتياً شاملاً يمنح الأفراد القدرة على العيش بكرامة”.
كما تفترض الدراسة أن تباين التجارب السورية خلال النزاع أنتج “تصورات مختلفة ومتناقضة أحياناً حول ماهية البيئة الآمنة ومتطلباتها”. وتوضح أن هدفها هو توصيف إدراك السوريين للبيئة الآمنة، وتحليل العوامل التي تشكل هذا الإدراك على المستويات الأمنية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية، وتحديد الفروق المناطقية والهوياتية.
وتقدم الدراسة خمس مبررات تجعل بحث البيئة الآمنة أولوية، من بينها: “سد فراغ معرفي حاسم حول مفهوم البيئة الآمنة من منظور المجتمع”، و”إنتاج منظور مجتمعي ناظم يمكن اعتماده كإطار تحليلي وسياساتي”، و”توفير قاعدة بيانات ميدانية واسعة ونوعية في السياق السوري”، إضافة إلى “دعم مسار العودة الآمنة” و”دعم بناء العقد الاجتماعي الجديد”.
واعتمدت الدراسة منهجاً وصفياً تحليلياً يجمع بين الأدوات الكمية والنوعية، وعرّفت مجتمع الدراسة بأنه السوريون المقيمون داخل البلاد بعد السقوط، بمن فيهم المستقرون والنازحون والمهجرون والعائدون. وبلغت نسبة الشباب 60%، فيما بلغ تمثيل النساء 48%.
اجتماع مغلق في لندن لبحث رفع العقوبات .. خطوة أولى تحتاج لتغيير بيئة المؤسسات
وتشير النتائج إلى أن تعريف المشاركين للبيئة الآمنة يرتكز على عناصر تشمل “ضمان حقوق الإنسان”، “توفير الخدمات الأساسية”، “عودة آمنة للنازحين واللاجئين”، “غياب العنف المباشر”، و”حيادية المؤسسات”. وتبيّن المقارنات المناطقية أن المناطق الأكثر تضرراً مثل حلب وإدلب والرقة تعطي وزناً أعلى للخدمات وإعادة الإعمار، فيما تركز مناطق الساحل على الاستقرار الأمني.
وتؤكد الدراسة أن المجتمع السوري “لم يعد يقبل اعتبار البيئة آمنة لمجرد توقف إطلاق النار”، بل ينظر إلى الأمن بوصفه قدرة المؤسسات على العمل بحياد، وتقديم الخدمات، وحماية الحقوق، وضمان عودة النازحين، وإتاحة المجال العام. وترى أن الأمن الحقيقي “لا يقاس بغياب العنف، بل بوجود بنية قادرة على صون الكرامة الإنسانية”.
كما تظهر النتائج تباين الشعور بتوفر البيئة الآمنة، إذ يعتقد “قرابة نصف العينة بتوافرها أحياناً”، بينما يرى ثلث المشاركين تقريباً أنها غير موجودة. ويبرز تأثير الخلفية الاقتصادية والسكنية، حيث ترتفع نسبة الشعور بانعدام الأمان لدى النازحين ولدى أصحاب الدخل المنخفض أو المعدوم.
وتقدم الدراسة تحليلاً لبنية الأمن بعد السقوط، معتبرة أن “التحول الأمني في سوريا اتخذ طابعاً محلياً بدرجة كبيرة”، وأن انهيار المركزية السابقة أدى إلى “تباين واضح في مستوى الحماية المتاحة للسكان”. وتشير إلى استمرار أنماط التمييز في تقديم الحماية والخدمات في بعض المناطق.
وتختتم الدراسة بالتأكيد على أن البيئة الآمنة في الوعي المجتمعي السوري هي “بيئة مؤسساتية–معيشية شاملة”، تتطلب أمنًا فعالاً، وخدمات مستقرة، وعدالة انتقالية، وشفافية، ومشاركة واسعة، بوصفها شروطاً ضرورية لبناء الدولة واستعادة الثقة في المرحلة الانتقالية.






