الرئيسيةمعلومات ومنوعات

حمّامات حمص الأثرية.. شواهد تاريخية أخرجتها الحرب عن الخدمة

أعمال ترميم للحمام العثماني.. والحماصنة على موعد مع عودته

تُشكّلُ الحمّامات الأثرية في مدينة حمص جزءاً أصيلاً من تراثها المادي. وتحلّ المدينة في المرتبة الثالثة بعد دمشق وحلب من حيث عدد حماماتها الغائرة في القدم. حيث وصل  عددها إلى 22 حمّاماً. بعضها يعود للعهد المملوكي والأيوبي والبعض الآخر لفترة الحكم العثماني لبلاد الشام.

سناك سوري – حلا منصور

ويقول عضو الجمعية التاريخية السورية “محمد غازي آغا” لـ سناك سوري أن الذهاب إلى حمامات السوق ارتبط عند الحماصنة ما قبل ستينيات القرن الماضي حين لم تكن البيوت تحوي حمامات ومصادر دائمة للمياه. بمناسبات عدّة، كان أبرزها ، مناسبات الأعراس والخطبة والولادة وأيام الأعياد إضافة للأيام العادية. حيث اعتادَ الناس الذهاب بشكل دوري للاستحمام فيها. الأمر الذي تقلّص لاحقاً بسبب انتشار الحمامات المنزلية الخاصة.

إلّا أنّ تقاليد الاستحمام تحضيراً لمناسبة كالزفاف حملت طابعاً مميزاً عن الأيام العادية. حيثُ ارتبطَ الزفاف الحمصي بعدد من التقاليد التراثية، كان أوّلها حجز الحمام كاملاً لقريبات العروس وصديقاتها. وتزيينهِ بالورود والمناديل الملوّنة ابتهاجاً وفرحاً. لتبدأ بعدها مراحل تجهيز العروس والعناية بها.

إعادة ترميم حمام حمص الاثري

الأمر ذاته انسحبَ على العريس، الذي تُقام له احتفالية مماثلة تسمى “التلبيسة”. حيثُ يأتِ أقارب العريس وأصدقاؤه ليمضون سهرة عارمة احتفالاً به.

ووفق “غازي آغا” فإن تقسيم الحمامات في المدينة عرف بالترتيب من الصالون أو القبّة ويضم في منتصفه بحرة تحيط بها مصاطب يسلتقي عليها الزبائن للراحة والتدليك. ويليه البرّاني وهو القسم البارد وقليل من يستحم فيه. ثمّ الوسطاني الذي يحوي ماءاً ساخناً وأدوات استحمام وفي الغالب يستحمّ فيه الزبائن. وأخيراً الجوّاني ويمتاز بحرارة مائه العالية جداً ووجود مقاصر أو غرف صغيرة تستأجرها عائلة مستقلة أو مجموعة أصدقاء.

وفي الخارج غرفة تسمّى بيت النار أو(الأمّيم) و يعمل بها  وقّاد على وضع الحطب لتسخين حلل كبيرة من الماء تصبّ في أنابيب كبيرة عن طريق قناة مخصصة.

وكانت أوقات ذهاب الرجال إلى الحمّام تمتد من فترة المساء وحتى ظهيرة اليوم التالي. بينما تشغلهُ النساء من فترة الظهيرة إلى ما قبل العشاء.

متنفس اجتماعي للنساء

عُدَّ الذهاب إلى الحمام بمثابة متنفس اجتماعي للنساء، وفرصة لتبادل الأخبار والأحاديث والبحث عن عرائس لأبنائهنّ. مع ما يصاحبها من طقوس الغناء والرقص والترفيه عن أنفسهنّ وأجسادهنّ. وكان من المتعارف عليه حينها أن تحمل النساء “البقجة” وهي قطعة القماش التي تحوي المناشف وصابون الغار والأمشاط وغيرها من احتياجات الاستحمام المختلفة. بالإضافة إلى المأكولات الشهيرة كالمجدّرة والصفيحة وغيرها إضافة للفاكهة.

أسماء الحمّامات وبناؤها

تعرّضت الحمّامات المشحونة بالتاريخ للتصدّع. فضاعت شواهد إرث لا يعوّض. فحمام “الباشا” الذي يُعدّ واحداً من أعرق حمامات مدينةحمص . يرجع بناؤه للعصر المملوكي بحسب ” غازي آغا” ويقع في شارع أبو الهول بعد سوق التجار في السوق المسقوف.

توقف عن العمل مع اشتعال الحرب في المدينة وتضرر أحياء واسعة منه وخصوصاً المدينة القديمة. الأمر الذي أدّى إلى تهدّم أجزاء كبيرة من الحمام وإخراجه عن الخدمة. الحال ذاته بالنسبة لبقية حمامات المدينة مثل حمام السراج الموجود في باب تدمر، وحمام الصغير الذي يتوسّط سوق التجار والصاغة ويعود للعهد الأيوبي. وكذلك حمام العصيّاتي الموجود في حي باب الدريب وجميعها متضررة بجزء كبير ومتوقفة عن العمل.

إعادة ترميم حمام حمص الاثري

ويضيف ” غازي آغا”«الحمّام الوحيد الذي يخضع للترميم في المدينة هو الحمام العثماني. الموجود في سوق الصيّاغ جنوب جامع الباذرباشي في السوق المسقوف. ويعود بناؤه إلى العهد العثماني ويمتاز بالذوق المعماري والدقة في النحت والبناء والرسوم الجدارية. »

بينما أوضح المحامي “عبد الناصر حجازي” المسؤول عن إعادة تأهيل وترميم الحمام العثماني لـ سناك سوري أن مرحلة ترميم التصدعات والانهدامات في الحمام انتهت. وقد تمّت بعملية دقيقة ومُضنية. والعمل الآن يتركز على الديكور الذي يتم بحرفية عالية ليتناسب مع روح المكان. مُبيّناً أنّ المشروع يهدف إلى تجهيز الحمام ليكون بمثابة كافيتيريا وقهوة وحمام بآن معاً. وأنّه سيكون جاهزاً لاستقبال أهل مدينة حمص في غضون ثلاثة أشهر في ظلّ أزمة ماء وكهرباء أعادت البلاد قروناً إلى الوراء.

يذكر أن الحمّامات كانت تعدّ جزءاً أساسياً من المدن القديمة. وكانت تعتبر من الأبنية الهامة التي يتم الاعتناء ببنائها وزخرفتها وفي “حمص” وكحال بقية المدن السورية كانت الآثار ضحية للحرب بعد أن صمدت لقرون كشواهد على التاريخ.

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى