الرئيسيةشباب ومجتمع

حكاية سبعينية تعففت عن المساعدة كي لا تجرح أولادها

اليوم وفي القرن الواحد والعشرين نحلم بمغارة وننتظر دفئاً

كانت “هيام” الموظفة الخمسينية تتنقل من مكتب لمكتب مرتجفة من البرد، الذي انعكس ازرقاقا على أصابع يديها، حين صادفت سيدة سبعينية تحاول إنجاز معاملتها في ظل برد قارس، لتجلسا وتتجاذبا أطراف المعاناة السورية المعتادة.

سناك سوري – رهان حبيب

“هيام” التي وثقت المشهد، تجاذبت أطراف الحديث حول المعاناة، حديث بدأته السيدة السبعينية، قائلة: «تعودت ياابنتي على البرد ننتظر الكهرباء لكنها لاتزورنا أكثر من ساعة كل خمس ساعات وباقي اليوم بلا تدفئة».

حاولت “هيام” استدراك الفكرة، فهل يعقل أن تتحمل سيدة بعمر السبعين برد كانون القارس، ثم يقطع سيل الأفكار، حديث السيدة مجددا: «لم نتمكن من شراء الخمسين لتر وحتى من تركيب المدفأة بانتظار الحصول على تعويض زوجي بعد الوفاة لعله يكفي لنحصل على بعض الدفء».

السيدة التي تسير بعناء واضح مع ابنتها من ذوي الاحتياجات الخاصة، أمضت أيام المنخفض الأخير متلحفة بالأغطية لتقاوم البرد فليس من السهل طلب العون أو المساعدة حتى من أولادها الذين يطعمون أولادهم بالعناء.

“هيام” تحاول الحديث مع السيدة لتعرف بعض التفاصيل علّها تتمكن من إيصال رسالة السيدة إلى بعض أهل الخير لكن السيدة تتعفف عن ذكر عنوانها، وتخبرها أنها لن تجرح أولادها أو تسبب لهم الإهانة، تقبل جبينها وتودعها علها تتمكن من فعل شيء دون أن تسبب الحرج للسيدة.

اقرأ أيضاً: تدفئة بيولوجية.. سوريون يستعدون لنيل الدفء خلال الشتاء

لكن الغصة تستمر هل يعقل أن يكون تعويض زوجها المتقاعد من أحد صناديق التكافل، حلاً لأزمتها والأخطر هل وصلنا إلى هذا الحد من الألم تعويض عشرات السنين لنحصل على بضع ليترات من المازوت.

تعود”هيام” إلى منزلها تجد والدتها تشعل المدفأة وتنتظرها مع غداء ساخن، لم تتمكن من بلعه وتتخيل تلك السيدة كيف تقاوم هذا البرد القارس وأي الطرق ستعينها مع انخفاض درجات الحرارة إلى ماتحت الصفر.

تحاول الوالدة التخفيف عنها، لكن الحديث أيضاً يعاد عن عائلة لم تتجرأ على تركيب مدفأة المازوت ولا الحطب وأيضاً رجال ونساء يحرقون ملابسهم القديمة للتدفئة وتقول: «كان الفقير أيام زمان يحرق “الجلة” وهي من روث البقر المجفف والأفضل حالاً يحرق الحطب ولايبقى من يعاني من البرد هذه الأيام أعادتنا لماقبل التاريخ مع العلم أن الإنسان القديم حاله أفضل على الأقل كانت المغارة تقيه البرد».

اليوم وفي القرن الواحد والعشرين نحلم بمغارة وننتظر دفئاً، ضاقت السبل للحصول عليه، بينما يحاول الجميع امتصاص الغضب الذي يحدثه بوست صغير على إحدى صفحات التواصل يقول المازوت موجود وباتصال منك يصل إلى باب منزلك، والسعر بنور الله.

يبدو أن الخالة وغيرها من كبار السن لا يعرفون القراءة ولم يتمكنوا من الاتصال بالرقم وغيره من أرقام تفوح منها رائحة المازوت الحر وينثر دفئاً على أجساد المنعمين.

اقرأ أيضاً: موظفون يعجزون عن إتمام أعمالهم بسبب البرد

زر الذهاب إلى الأعلى