الرئيسيةتقارير

جبران ومريود.. وتجويع السوريين – حسان يونس

لا أستطيع الأكل ولا النوم ولا الراحة والسوريون جميعهم هنا يتعرضون للتعذيب بالطريقة نفسها.. جبران

سناك سوري – حسان يونس

في إحدى رسائله إلى “ماري هاسكل” كتب “جبران خليل جبران”: «ماري الحبيبة، أبناء شعبي، أبناء جبل “لبنان” يموتون في مجاعة دبّرتها الحكومة العثمانية، قضى ثمانون ألف شخص حتى الآن، ويموت الآلاف كل يوم، أيمكنك أن تتخيلي يا ماري ما أمرّ به الآن؟ لا أستطيع الأكل، ولا النوم، ولا الراحة، والسوريون جميعهم هنا يتعرضون للتعذيب بالطريقة نفسها، نحن نحاول أن نقوم بما في وسعنا، علينا أن ننقذ أولئك الذين لا يزالون على قيد الحياة، آه “ماري”، كثيرٌ جداً ما نسمعه، كثير جداً، صلّي لأجلنا يا ماري الحبيبة، ساعدينا من خلال تفكيرك فينا، كل الحب من “خليل” الذي يعاني!».

اقرأ أيضاً:سوريا وتاريخ من الغزو باسم الله – حسان يونس

هذه المجاعة التي يتحدث عنها النبي السوري المرسل من الأرض خلافاً لكل الأنبياء السابقين المرسلين من السماء، ضربت “بلاد الشام” و”لبنان” على وجه الخصوص خلال الحرب العالمية الأولى 1914- 1918م،  بسبب الحصار الذي فرضه الحلفاء على شواطئ الولايات العثمانية، وبسبب تسخير العثمانيين محصول القمح لصالح الجيش، وقد وثّقها الروائي الشهير “ربيع جابر” في مشاهد متعددة من رائعته “أمريكا” كما وثقتها الأغنية الشعبية الشهيرة “ع الروزانا”، التي غنّتها فيروز وغنّتها في نسخة أقدم  “إيميلي” الاسكندرانية، والتي تختلف التفسيرات حول كونها سفينة أرسلها تجار “حلب” لنجدة “بيروت”، وشراء منتجاتها الكاسدة، وبين كونها سفينة “إيطالية”، استجرها تجار “بيروت” ولم تأتِ بسبب ظروف الحرب العالمية الأولى والحصار المرافق لها، وفق تفسير المؤلف والناشر والأستاذ الجامعي والوزير السوري “سعدالله الآغا القلعة”.

أياً يكن الأمر، فإنه لما منعت الحكومة العثمانية تصدير الحبوب من ولاية “سوريا” إلى “لبنان”، وانتشرت المجاعة هناك، كان “أحمد مريود” يحمل ما استطاع من القمح على خيله ويمضي به خلسة إلى القرى اللبنانية القريبة منه، فيبيعه بسعر الكلفة، وبهذا أنقد عائلات كثيرة كانت معرّضة للموت جوعاً.

اقرأ أيضاً:عن الانتداب الفرنسي.. غزل من نوع آخر – حسان يونس

و”أحمد مريود” من مواليد “جباتا الخشب” في “القنيطرة” 1886م وهو عضو الجمعية العربية الفتاة، وعضو حزب الاستقلال المنبثق عنها 1919م، كما كان عضواً في المؤتمر السوري العام 1919- 1920م، الذي أعلن وحدة واستقلال “سوريا” الطبيعية وقائد الثورة السورية في منطقة “الجولان”، التي استطاعت رد الغزو الفرنسي عن “سوريا” عن طريق بوابة “مرجعيون” تشرين أول 1919م قبل أن يعاود الفرنسيون الدخول من بوابة ميسلون في 24 تموز 1920م، كما أنه منظّم وقائد محاولة اغتيال الجنرال غورو 23 حزيران 1921م، ومن ثم قائد الثورة السورية في منطقة الجولان 1925م، وهو من أهم من ساهموا في نقل الثورة إلى غوطة “دمشق”، وقد استشهد نتيجة كل ذلك مع أربعين من عائلته في قصف وحشي فرنسي بالدبابات والطائرات على “جباتا الخشب” في 31 آيار 1926م، وبعد اغتياله قام الفرنسيون بعرض جثمانه مع بقية الشهداء في ساحة “المرجة” كنوع من القصاص والإرهاب النفسي البدائي المشهور والمتكرر كثيراً في التاريخ، لكن الدمشقيين استقبلوا واحتضنوا جثامين الشهداء بماء الورد والزهور، ورفضوا إعادة جثمان”أحمد مريود” إلى “جباتا الخشب”، وأصرّوا على دفنه في “دمشق” أسوة بسائر الضحايا العظيمة التي احتضنتها تربة “دمشق”.

اقرأ أيضاً:إراقة دم المدنية السورية بسيف البداوة- حسان يونس

على أعتاب الحالة المعيشية الخانقة التي يعانيها السوريون كما اللبنانيون، وعلى أعتاب التهويل الاستباقي لقانون “قيصر”، وعلى أعتاب نهاية أيار يطيب لنا أن نتذكر “أحمد مريود”  الذي استشهد بشكل ملحمي في 31 أيار، كما نتذكر “جبران خليل جبران”، الأول واجه الحصار العثماني في الداخل والحصار الغربي على الشواطئ، وساهم قدر ما استطاع في رفع المجاعة عن أبناء بلاده، والثاني رفع قلمه في المغترب واعتصره قطرات من روحه المعلقة بوطنه “سوريا” وما تعانيها من مجاعة، خلافاً لما تقوم به بعض الجماعات القابعة في عواصم الغرب والتي تعلن ابتهاجها بالعقوبات الأمريكية على “سوريا” المسماة “قانون قيصر”، وتلك الأوروبية، كما تعلن خيبتها من قلة أعداد المصابين بالكورونا في “سوريا” وتعترض على ذلك بفجور عز نظيره.

اقرأ أيضاً:جريمة قتل العقل الحر – حسان يونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى