الرئيسيةتقارير

تقرير حقوقي يحذّر من تقويض العدالة الانتقالية في سوريا

الشبكة السورية لحقوق الإنسان تنتقد أداء لجنة السلم الأهلي وتوصي بخطوات تصحيحية عاجلة

دعت الشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى سنّ قانون خاص بالعدالة الانتقالية، وضمان استقلال القضاء وحقوق الضحايا، مؤكدة أن أي تجاوز لهذه الأسس يقوّض فرص السلام المستدام في سوريا.

سناك سوري-دمشق

وأشارت الشبكة في تقرير حقوقي لها، إلى أنَّ العلاقة بين العدالة الانتقالية والسلم الأهلي تُعدّ من أكثر التحديات تعقيداً في مجتمعات ما بعد النزاع، إذ تتقاطع متطلبات المساءلة عن الانتهاكات الجسيمة مع ضرورات بناء الاستقرار المجتمعي. وطرح التقرير في هذا السياق جملة من الأسئلة الجوهرية حول إمكانية التوفيق بين مقتضيات المحاسبة القانونية وحاجات المصالحة المجتمعية في الحالة السورية.

وأكد التقرير على نقاط الالتقاء والتكامل بين العدالة الانتقالية والسلم الأهلي، مستعرضاً أبرز التوترات النظرية والتطبيقية بين المسارين، مع التشديد على أهمية تجاوز الثنائية الزائفة بين “السلام مقابل العدالة”، وضرورة تكييف النماذج والمفاهيم بما يتلاءم مع السياق المحلي.

التقرير تناول السياق السوري «الذي اتسم بتعقيد النزاع، وما ترتب عليه من انتهاكات جسيمة شملت القتل الممنهج، والتعذيب، والإخفاء القسري، والاعتقال التعسفي. ويُبرز التقرير الحاجة إلى تصميم دقيق لآليات العدالة الانتقالية بما يتناسب مع طبيعة الانتهاكات، محذراً من غياب التنسيق بين الهيئات المختلفة، ومنها لجنة السلم الأهلي، ولجنة العدالة الانتقالية، ولجنة المختفين قسرياً».

كما سلط التقرير الضوء على أبرز الإشكالات المتعلقة بعمل لجنة السلم الأهلي، مثل «تجاوز الصلاحيات القضائية، من خلال ممارسة اللجنة لصلاحيات تنفيذية تتعلق بالإفراج والعفو دون تفويض قانوني، وإصدار قرارات بالعفو دون سند قانوني واضح، ما يشكل انتهاكاً للمبادئ القانونية».

الشبكة السورية لحقوق الإنسان تدعو إلى احترام استقلال السلطة القضائية، وضمان حقوق الضحايا في التقاضي ورفع الدعاوى الفردية.

كذلك «غياب المعايير والضوابط التي تنظم عمل اللجنة، وصدور قرارات دون الإعلان عن أسسها، والخلط بين الدور المجتمعي من جهة، والدور القضائي والتنفيذي من جهة أخرى، بما يهدد مبدأ استقلال السلطة القضائية».

كما رصد التقرير مجموعة مما وصفه بالانتهاكات الإجرائية، مثل «عدم نشر المعايير التي تستند إليها قرارات العفو والإفراج، بما يقوّض مبدأ الشفافية، وتجاهل حقوق الضحايا في المعرفة والمشاركة في عملية اتخاذ القرار، كذلك استخدام تبريرات عامة وغير محددة، مثل “المساهمة في ردع العدوان”، دون توضيح كافٍ».

ووثق التقرير جملة من الآثار السلبية التي قال إنها نجمت عن أداء لجنة السلم الأهلي، مثل «تقويض ثقة المجتمع في مسار العدالة الانتقالية بسبب اتخاذ قرارات خارج الإطار القانوني، وإرسال رسائل خاطئة إلى الضحايا توحي بتغليب الاستقرار على العدالة، كذلك تعميق خطر الإفلات من العقاب، ما يسهم في إعادة إنتاج العوامل المؤدية إلى النزاع».

خطوات تصحيحية

ودعا التقرير إلى جملة مما وصفه بالخطوات التصحيحية، مثل:

  • سنّ قانون خاص بالعدالة الانتقالية من خلال المجلس التشريعي، مع ضمان مشاركة مجتمعية واسعة.
  • تنسيق المسارات الأربعة للعدالة الانتقالية: المساءلة، الحقيقة، التعويضات، والإصلاح المؤسسي.
  • احترام استقلال السلطة القضائية، وضمان حقوق الضحايا في التقاضي ورفع الدعاوى الفردية.
  • الاستفادة من الخبرات المحلية والدولية، مع تكييفها بما يتناسب مع الواقع السوري.

وخلص التقرير إلى أن «العدالة الانتقالية والسلم الأهلي ليسا مسارين متناقضين، وأنَّ ممارسات لجنة السلم الأهلي التي تتسم بتجاوز الصلاحيات، وغياب الشفافية، وتجاهل حقوق الضحايا، تمثل تهديداً حقيقياً لمسار العدالة وتقويضاً لفرص السلام المستدام».

توصيات

ووجه التقرير توصياته إلى الحكومة السورية، ولجنة السلم الأهلي والمجتمع الدولي، وفيما يخص الحكومة أوصاها بإعداد إطار قانوني متكامل للعدالة الانتقالية بمشاركة جميع الأطراف المعنية، وإعادة تحديد مهام لجنة السلم الأهلي، لتقتصر على الحوار والمصالحات المحلية، وضمان استقلالية القضاء ومنع تدخل أي جهة غير قضائية في صلاحياته، إضافة إلى اعتماد الشفافية من خلال نشر جميع قرارات العفو والإفراج مرفقة بتبريراتها.

وفيما يخص لجنة السلم الأهلي، أوصى التقرير أن تلتزم بدورها المجتمعي بدون أي ممارسة لصلاحيات قضائية أو تنفيذية، كذلك تنظيم جلسات استماع دورية، ووضع دليل إجرائي واضح، ومعايير معلنة تحكم عمل اللجنة، إلى جانب آلية رقابة وتقييم مستقل.

أما المجتمع الدولي، فيوصيه التقرير بتقديم الدعم التقني والمالي للمبادرات المتعلقة بالعدالة الانتقالية، وتدريب القضاة والمحققين، ودعم منظمات المجتمع المدني، كذلك تبادل الخبرات مع الدول التي خاضت تجارب مماثلة في العدالة الانتقالية.

التقرير يوصي لجنة السلم الأهلي أن تلتزم بدورها المجتمعي بدون أي ممارسة لصلاحيات قضائية أو تنفيذية

وفي ختام تقريرها، حذرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان من تجاوز أسس العدالة الانتقالية القانونية والحقوقية، وقالت إن أي تجاوز بما في ذلك تدخل لجنة السلم الأهلي خارج نطاق اختصاصها، سيؤدي إلى تقويض الجهود الرامية إلى بناء دولة القانون وتحقيق المصالحة المجتمعية المستدامة.

زر الذهاب إلى الأعلى