بين التفكير الغيبي والإيمان بمعتقدات غيبية – ناجي سعيد
الإيمان بالمعتقدات والغيبيّات لا يُعيق التفكير النقدي لدى الإنسان
سناك سوري- ناجي سعيد
كان الحاج وليد في طريق العودة من عمله في المدينة إلى قريته في الجنوب حين وقف محرّك السيارة فجأةً عند مفترق قرية الدوير المؤّدي إلى قريته، احتار ماذا يفعل، فسأل صِبيةً يلعبون إلى جانب الطريق عن ميكانيكي في الجوار، فأرشدوه إلى أمهر ميكانيكي في المنطقة.
وبعد أن أصلح الميكانيكي السيّارة أخبر الحاج وليد بأن العطل في المحرّك كان سببه “قشاط المروحة”، فقد كان مقطوعًا وأستبدله الميكانيكي بواحد جديد. وبعد حوالي الأسبوع على الحادثة هذه، صدف وجود الحاج وليد في سهرة مع الأصدقاء. فتحدّث أحدهم شاكيا عن عطل سيارته الذي حدث عن مفترق الدوير. فقاطعه الحاج وليد: أكيد من “قشاط المروحة”!!
اقرأ أيضاً: التربية وبناء السلام_ ناجي سعيد
ما يخطُر ببالي عند سماع هذه الحادثة، بأن الحاج وليد، سلك طريقًا مُدمّرًا للمجتمع السليم. ولماذا استخدمت مصطلح سليم؟ لأنّ لا عيبَ بالتأكيد ولا مشكلة في الإيمان بمعتقدات وغيبيّات، فمشكلة تأخّر المجتمع قائمة على التفكير الغيبي وليس على الإيمان بمعتقدات غيبية.
والإيمان علميًّا هو حاجة بشرية ترسم لكلّ شخص منطقة الراحة التي يريد، بينما المشكلة العويصة، بالتفكير الغيبي، وهي سبب انقسام العالم إلى عالم أوّل وثانٍ وثالث!!
فلم يبذل جُهدًا الحاج وليد في فهم أسباب العطل ولماذا انقطع “قشاط المروحة”. بل اهتمّ في حيثيّات تُرسّخ نمط تفكير يفصل السبب عن النتيجة، ويُفضي بالإنسان إلى اعتماد الإيمان بُمسلّمات أنتجها التفكير الغيبي البشري. وبالطبع لا علاقة لهذا التفكير الغيبي بالإيمان بمعتقدات دينيّة قَدُمَت إلينا عبر تاريخٍ لا يُمكننا التشكيك بصحّتِه، فالتواتر من إلى إلى إلى.. لا يستمرّ لو وُجِدَ بين الناس أحد الشكّاكين أو المُحرّفين الذي يحترفون تزوير التاريخ وتشويه صورته لصالح فئة تعاني مرض العُنف الذي يسعى لتدمير البشريّة.
والسؤال الخطير الآن، هل القتل لنا عادة؟ وبالطبع كمّيات الاعتراض على السؤال أراها تتدفّق في عيون القرّاء، الجرأة ليست هنا، بل الجرأة في السؤال بأنّ من تربّى في حضن عائلته المُسالمة التي تحترف الحبّ وتسقي أبنائها من نبعه، هل يُمكن أن يكون القتل لها عادة؟ والحديث محض تربوي، هل يمكن أن يَقتُل من يترعرع في بيئة مُحِبّة وحاضنة؟
اقرأ أيضاً: العنف في تربية الأطفال- ناجي سعيد
وبمعنى آخر كلّ ما أراه من شعارات متوّزعة على قارعة الطرقات ليست شعارات دينيّة بل سياسية وهي لاتمتّ للدين بِصلة، فالإيمان بالمعتقدات والغيبيّات لا يُعيق التفكير النقدي لدى الإنسان، فمفهوم التوادّ والتراحم بين الناس -والذي أمر به الرسول- لا يُمكن أن يُنتجه تفكير غيبي، لأنّ هذين المفهومين يمتثلان لقاعدة: “هنا والان”. وهذه فلسفة الواقع الآني الذي يعتمد على مهارة التفكير النقدي، فلا يعوز الماضي إلاّ من جهة بسيطة: دروس مُستفادة تُختصر بعدم تكرار الأخطاء الماضية، بل تعديلها، وعد نسخ ببّغائي لقصص النجاح التي سبقت، بل تعديلها بما يلائم السياق.
التفكير عمليّة عقلية وهي مادّة يُنتجها الدماغ، بينما الإيمان موضعه القلب، وقد أخبرنا الدكتور “ذوقان عبيدات” في ورشة عن إدارة الدماغ: “الدماغ مادة نملكها والعقل طاقة ننتجها”. لذا فلا دخل لمساحة الإيمان القلبيّة على العقل والتفكير النقدي الذي يأتي من الدماغ، فلو كان العقل شرّيرًا يعمد القتل وهذا لا يُمكن أن يكرّس القتل عادة..
أُكرّر، إن كلامي هذا ليس انتقاصًا من مُعتقد ديني بل انتقادًا لشعار سياسي يُطلق على العامّة لإبعاد الدرس الحقيقي من مدرسة الحُسين الذي قُتل (ولم يقتُل) عطشانًا ليّعلمنا معنى التضحية، ولا يكفي أن نضع الحزن في الجرن.. الخلاصة بأن الدروس التاريخية في التضحية لا تنتقل بالحزن والدموع والألوان السوداء.
اقرأ أيضاً: اللاعنف ومستقبل الإنسان- ناجي سعيد