الرئيسيةرأي وتحليل

بيت الطاعة الدولي – أيهم محمود

من يستنكر بيت الطاعة الفردي يستخدمه بالمستوى الدولي تحت ستار أقنعةٍ مختلفة

يفصل البعض بين القضايا الفردية والقضايا الجمعية خاصةً إن كانت تخص دولاً ومجتمعات بشرية، التغيرات الجمعية في جذرها الأساسي تغيرات فردية تراكمت لتنتج تغيرات جمعية طفيفة وتدريجية، تحتاج الطفرات الجيدة عدداً كبيراً من السنوات لتستقر في البنية الجينية للكائنات الحية، يحكم هذا السلوك الطبيعي الكثير من القضايا الفكرية للبشر ومنها القضايا السياسية.

سناك سوري-أيهم محمود

مازالت السياسة الواجهة الرئيسية التي تصطدم عبرها إرادات الجماعات البشرية المختلفة، تشبه السياسة خطوط الصدوع بين صفائح القشرة الأرضية، احتكاك الصفائح على خطوط تماسها يمنع حركتها إلى أن تنفجر الطاقة التي تم تخزينها فيها على شكل زلازل صغيرة التأثير إن كان تفريغ الطاقة يتم في دورات زمنية قصيرة، أما في حال منع التفريغ لمدد زمنية طويلة فمن الطبيعي أن نتوقع ولادة زلازل عنيفة ومدمرة، حركة الكون كله مستمرة وتوهم إمكان إيقافها لا بد أن ينتهي دائماً بكارثة.

معضلة الإنسان الحقيقية توهمه وأحلامه غير الواقعية حول قدرته على اختراق قوانين الكون البسيطة، قوانين التغير، قوانين عدم بقاء أي حال على حاله إلى الأبد، الحركة والتغير قانون الكون الأعظم، لا أحد على الإطلاق -سواء كانوا أفراداً أو حتى أمماً- يقدر على وقف حركة العالم، من يفعل ذلك سيواجه الزلزال، فإن كان الشخص أو الأمة أقوياء بما يكفي لمنع حركة المحيط حولهم لمدة أطول حصدوا بعد توهم النجاح زلزالاً أكبر ودماراً أعظم.

بيت الطاعة ليس اختراعاً شرقياً خاصاً بتنظيم العلاقة الزوجية بل هو مبدأ سياسي سائد حتى لدى من يُنكره على المستوى الفردي ويعتبره منافياً لحقوق الإنسان الأساسية، يتوجب على أحد أفراد العلاقة العقدية في بيت الطاعة الزوجي أن يقدم تنازلات مؤلمة تتعلق بتحكمه بجسده وبحرية حركته، حتى المتعة بين الزوجين تصبح فرضاً وإكراهاً، فعل انتقامٍ عند طرف، وفعل خضوعٍ قسري عند طرفٍ آخر بكل ما تولده هذه الصورة من أذى نفسي لكلٍ من طرفي العلاقة.

اقرأ أيضاً: المواطن السوري المزعج في عصر الإنترنت – أيهم محمود

الأصل في التشارك هو وجود الاحترام التام، ووجود الإرادة والرغبة والنية بالبقاء طوعاً لا كرهاً، لا أحد على الإطلاق يرحل عن مكان أحبه، وعن مكان حماه ومازال مستمراً في حمايته، عن مكان أحبه ورعاه وأمّن له كل ظروف الكرامة والنمو، إن أراد الرجل الاحتفاظ بزوجته ليس الحل بالتأكيد بيت الطاعة، بل المودة والرحمة والاحترام التي تكفي حتى في حال الانفصال لحصول طرفي العلاقة على صديق يحترمه ويخاف عليه ويقف إلى جانبه في حال الشدة، مثل هذه القصص الفردية عن صداقةٍ حقيقية أعقبت فعل الانفصال ليست نادرة في حياتنا العامة.

من يستنكر بيت الطاعة الفردي يستخدمه على المستوى الدولي تحت ستار أقنعةٍ مختلفة، إن وقع الكره والنفور بين طرفين فعلى الاثنين معاً البحث في أسبابه قبل البحث في طرق عودة العلاقة القسرية من باب الحروب وباب الدمار وباب الابتزاز المادي، ما يصلح للفرد يصلح للمجتمعات أيضاً، وما نتباهى بتجاوزه على المستوى الفردي قد لا نكون قد تجاوزناه فعلاً على المستوى الجمعي، التغيرات هنا سطحية ولم تصل بعد إلى عمق الثقافة البشرية على مستوى العالم.

لم يعد بيت الطاعة السياسي مقبولاً في عصرنا الحالي، هناك اتجاهات ثقافية متصاعدة ترفضه أخلاقياً وعلمياً لأنها تدرك استحالة استمراره واستحالة النجاة من الزلازل المدمرة التي ستتكون حتماً بسبب فرضه، لا تختلف الأصوات المؤيدة له عن أصوات المؤيدين لبيت الطاعة الزوجي، لا أحد يتخيل نوع أفكار الزوج أثناء العلاقة الحميمية، لا أحد يهتم بما تشعر الزوجة في تلك الأثناء، ولا أحد أيضاً يعلم مقدار انعكاس هذه التشوهات السلوكية القاتلة على حياة وثقافة الأولاد المحكومين بقواعد هذا الزواج القسري، هي وصفة دمار بكل المقاييس، وصفة دمار منتشرة عالمياً والأخطر من انتشارها العالمي هو استحقاقها الإقليمي مع حدود مصطنعة بالكامل ورثتها المنطقة قهراً من عهود الاحتلال، واليوم..، يملك الجميع في هذا الشرق ذاكرة تاريخية خطرة تترافق مع وجود رغبات مُلِحَّة في خلق بيوت طاعةٍ متعددة وليس مجرد بيتٍ واحدٍ منها.

اقرأ أيضاً: مأساة الرهائن ومأساة كل البشرية من بعدهم – أيهم محمود

زر الذهاب إلى الأعلى