الرئيسيةرأي وتحليل

الهروب الكبير إلى الأمام – أيهم محمود

طلب المزيد من الرفاهية على حساب فقر الآخرين سيقود حتماً لتعطيل آليات الحياة

تندفع الضحية في حالات الضياع والتيه المصحوبة بالخوف إلى الأمام دون تفكير، جميع الإحتمالات متساوية بالنسبة لها. لكنها تسير إلى حتفها رغم هذا الجهد الهائل الذي تبذله، هو جهدٌ في غير مكانه، ونزيفٌ آخر لا تحتاج إليه.

سناك سوري-أيهم محمود

في سيريلانكا أزمة اقتصادية حادة، التضخم يلاحق دولاً كثيرة حول العالم، تتزايد ديون الدول بشكل كبير، انهيار مرتقب في الخدمات. وبالتحديد كل ما يخص قطاع الطاقة، لم تكن سياسات الإختباء والإنكار -أو سياسة الاندفاع إلى الأمام غريزياً- حلاً مناسباً. للأزمات عبر تاريخ العالم، بعد غطاء الفيروس الأشهر في قرننا الحالي، أتت الأزمة الأوكرانية ملجأً يحتمي به كل من لا يريد الاعتراف بوجود. أزمة اقتصادية عالمية تزداد تفاقماً وحدّة بسبب إنكارنا لها، وإنكارنا لأعراضها وأسبابها الحقيقية، هي حالُ. من أصابه المرض فأنكر وجوده أو لجأ إلى الدجالين والمشعوذين لعلاجه.

ما اكتشفه السوريون وهم يُنَظِّرون لاقتصاد السوق “الاجتماعي” اكتشفه وسيكتشفه العالم كله، كلمة “اجتماعي” صفة لا لزوم. لها لوصف علاقات النظام الرأسمالي التي يعشق الجميع تلوينها بألوان زاهية تخصهم، مثل اللون “الأحمر” الجميل الذي. استخدمته الصين لطلاء تجربتها.

ما اكتشفه السوريون من وجود أزمات دورية في هذا النظام، عرفه العالم من قبل في انهيارات اقتصادية حتمية في دول صناعية. كبيرة كانت تنجح جزئياً في وضع قواعد جديدة لتخفيف حدة هذه الأزمات وإطالة عمر هذه المنظومة قليلاً، في حال لم تنجح. محاولات لجم الانهيار فلا بد من حروب الاستحواذ على الموارد الخارجية “الغزو الذي عرفته القبائل البدوية في الصحراء”. لكن وصفة النهب الخارجي غير نافعة أيضاً عند عدم وجود ما يمكن نهبه بعد إفقار الجميع.

اقرأ أيضاً: القصف النووي في المكان الخطأ – أيهم محمود

لقد أصبح العالم حقاً قرية عالمية، ما يجري في سوريا من تمركز لرؤوس الأموال بيد قلة قليلة مع تدمير فعلي لحياة معظم البشر. يجري في العالم كله، على مستوى الأفراد داخلياً، وعلى مستوى الدول أيضاً، حيث تسعى الدول الكبيرة -لتخفيف حدة أزماتها. الداخلية- إلى مزيد من الاستثمار في عمليات نهب الدول الفقيرة، وكما تكتشف الآن برجوازيتنا الكريمة “الاجتماعية”. والأجهزة الطفيلية الأخرى غير المنتجة أن طلب المزيد من الرفاهية على حساب فقر الآخرين سيقود حتماً إلى تعطيل آليات الحياة نفسها.

تكتشف الآن برجوازيتنا الكريمة “الاجتماعية” والأجهزة الطفيلية الأخرى غير المنتجة أن طلب المزيد من الرفاهية على حساب فقر الآخرين سيقود حتماً إلى تعطيل آليات الحياة نفسها- الكاتب

يكتشف العالم كله أن العولمة تشبه كثيراً كلمة “الاجتماعي” من ناحية كونها صفة لا لزوم لها لتلوين نظام رأسمالي من أهم. صفاته عدم وجود تخطيط فيه، وهو ما عبّرنا عنه في بداية المقال بصورة الاندفاع المستمر إلى الأمام لأن جميع الاتجاهات متساوية. أي أن العقل هنا معطل تماماً، ولا يوجد أي ضابط في هذه الحركة غير الاندفاع الغريزي الأعمى.

ستبقى الحكومات العالمية مختبئة ما أمكن لها ذلك خلف تعبير “تداعيات أزمة أوكرانيا”، كما اختبأت من قبل لوقت طويل خلف. تداعيات مزعومة لأزمة فيروس تم تضخيمه وتلوينه لغرض إخفاء ما لا يمكن إخفاؤه طويلاً، الخطاب العبثي اليومي الذي نعيشه. داخليا عن قرب انفراجٍ مرتقب في الأزمات المتلاحقة، هو ما سنسمعه ونشاهده في كل مكان، لم تعد تنفع أوراق التوت. مهما بلغت مساحتها وضخامتها في تغطية الأزمات المتضخمة بفعل اتجاه النظام الرأسمالي نحو دورة فساد قاتله. لكن هذه المرة على مستوى العالم كله بعد أن أصبح عملياً قريةً واحدة بائسة.

لا يمكن تجنب اندلاع حروب متنقلة، وغزوات دولة لأخرى طمعاً بمواردها، وعلى من سرقوا ونهبوا آخر لقمة من أفواه مواطنيهم محاولة إيجاد الموارد البشرية والمالية لخوض حروب طويلة، أو عليهم الاستسلام للابتلاع من قبل الآخرين كما ابتلعوا هم جهد وحياة الأفراد حولهم، قانون الغاب لا يرحم أحداً عندما لا نستخدم نعمة العقل ونُصرُّ على استخدام لغة الغريزة فقط.

اقرأ أيضاً: القتل البطيء للعقل السوري – أيهم محمود 

زر الذهاب إلى الأعلى