أخر الأخبارالرئيسيةرأي وتحليل

المُحاسبة – ناجي سعيد

غياب المحاسبة يجعل الحقوق أحلاماً

سأل رجلُ ياباني رجلاً لبنانيًّا: “ماهي أحلامك؟” فقال اللبناني: “الكهرباء/ الماء/ الغذاء”. فبادره الياباني: “هذه حقوق، وأنا أسألك عن الأحلام!!”. وما لا يعرفه الياباني، هو أنّ غياب المحاسبة هو ما جعل حقوقنا أحلامًا.

سناك سوري-ناجي سعيد

حال اللبناني وإن كان المثال أعلاه على اعتبار أنني “مواطن لبناني” ينطبق على معظم دول العالم الثالث. بما فيها دول الشرق الأوسط. هذه الدول التي تعاني من أزمات تراكمية ومشكلات عميقة وأخطاء إدارية وسياسية ترتقي لمستوى الجرائم بحق الشعوب. لكنها لا تعرف طريقها للمحاسبة.

بالعودة إلى لبنان الذي يصادف هذا الشهر الذكرى الثانية لكارثة انفجار مرفأ بيروت. فإنه من حنكة السياسيين الطائفيين في هذا البلد أنهم ابتكروا مُصطلحات للغلوّ في عملية المُساومة سياسيًّا. مثل ” الديمقراطيّة التوافقيّة”. وهذه قمّة النفاق الديمقراطي على العالم جميعًا!. فالديمقراطية هي حكم الشعب، أما هنا فأصبحت “حكم النفاق على الشعب”!.

وقوام هذه العمليّة الديمقراطيّة هو الشفافيّة المبنيّة على حُسن إدارة الحكم وتدعى “الحوكمة”. وهي قائمة على التنفيذ الشفّاف والمُحاسبة في حال أخطأ المُنفّذ وفريق إدارته. والمشكلة التي قسمت البلد الصغير الوادع “لبنان”، والذي جمّلته فيروز بأغانيها، تكمن:« في تجميع كلّ مُكوّن من مكوّنات لبنان في بوتقة عدائيّة للآخر».

اقرأ أيضاً: لماذا يتمسّك بعض رجال الدين بالتنميط والتعميم -ناجي سعيد

بعد ما وصل إليه لبنان من تدهور أدى لسرقة أموال المودعين في البنوك اللبنانية كان لابد من محاسبة. فغياب المحاسبة والمساءلة واحقاق العدالة للبنانين، هو ما أدى بتقديري لأن يقوم شاب باقتحام بنك وحجز رهائن فيه حتى يحصل على أمواله. لم يكن يريد أمواله لكي يتسلى بها بل ليدفعها في علاج والده.

إن الهوّة التي وقعنا فيها سياسيًّا هي رفض كلّ جهة سياسيّة -لا تثق ببراءة قادتها- بالتصويت لتشريع قانون المحاسبة. ورفع الحصانة التي يتمسّك بها السياسيّون الفاسدون. وقد وصلنا إلى زمن “الواتساب”، وحتّى الآن لم نعرف “المحاسبة”. ولا أقصد محاسبة السياسيين على عدم اتّباعهم مبدأ “الحوكمة”. لا بل علقنا في خانة عجزنا عن محاسبة كل شخص أمسك ملفاً أو أداره وأودى به إلى الفساد والفشل.

في المقابل نجد سياسيين طائفيين يحشدون المواطنين تجاه بعضهم البعض. فيضيع انتباه الناس عن حقّهم في محاسبة المسؤولين لتقصيرهم، بإقرار القوانين التي تضمن حقوق المواطن الأساسيّة.

وسأختم بالحديث عن “جريمة العصر”، في 4 آب. لم تقتل رمزًا طائفيًّا ليُرفع شعارًا طائفيًّا: “بدنا الحقيقة”!!. فقد اجتمعت الطوائف على مصيبة خسارة فلذات أكبادها. جريمة هدمت نصف بيروت وأعادت إلى ذاكرتي -بصوت الإنفجار- مشهد الحرب الأهلية التي عشتها. وبعد مرور سنتين على الجريمة، ليس فقط لم تُكشف هويّة الفاعل. لا بل تحوَّل ملف العدالة إلى لعبة سياسية يسعى كل طرف لتحقيق مكسب سياسي فيها على حساب آلام الناس.

ويبدو لي أن غياب المحاسبة، تجعل من الحق أمرًا يُعلى عليه. فبدون المحاسبة تُعلى المصلحة السياسيّة الضيّقة على الحق.. ومهما طال الزمن، سيظهر الحقّ بعد إقرار المحاسبة.

اقرأ أيضاً: عُنف تغيير الهوية – ناجي سعيد

زر الذهاب إلى الأعلى