الرئيسيةرأي وتحليل

العنف السياسي.. ناجي سعيد

عندما يتشرط الانتماء لحزب بعينه للحصول على وظيفة أو منح صك الوطنية

حين سأل المُدرّس صديقتي-بحسب روايتها- عن مذهبها: ” هل أنتم من هدوك أم من هدوك؟” فأجابت بعفوية الطفولة: ما بعرف بس بسمع البابا بيقول نحنا شيوعيّة!!، وحين سمعت روايتها، آلمتني ذاكرتي الطفوليّة. فقد اضطررت لأعوام عديدة خلال “الإقامة المدرسية” أن أخفي انتمائي العاطفي لهوية عائلتي السياسية.

فقد نشأت في قرية يغلب على أهلها انتماء إلى لون سياسي واحد. وكل من يتقرّب أو يصادق لونًا سياسيًا آخر، يُنبذ اجتماعيًا، ويُضطهد سياسيًا. والآن بعد رحلة من الدراسة والوعي اللاعنفيّين، أدركت أن هذا كان عنفًا، وبالتحديد عنف سياسي لو أمكنني القول. فليس الموضوع مُجرّد حرمان من حق في الانتماء، لا بل كان اضطهادًا لفئة سياسية من قبل فئة أخرى مُسيطرة سياسيًّا، لا بل مُهيمنة على الواقع الاجتماعي، وقد ضيّق المجتمع الخناق على كلّ من كان يحاول الاختلاف.

فالوعي المُتدنّي لدى عامّة الناس، كان يعتبر أن الاختلاف جريمة، والاختلاف بحسب فهم العامّة هو خروج عن المنطق، وليس المنطق العام، لا بلّ منطق الجماعة الصغيرة التي ترفض وتنبُذ المختلف. فالمنطق السائد حين يُهيمن، يسير خلف إلغاء الآخر الذي لا يشبه الجماعة.

لم أصادف مصطلح ” عنف سياسي” في مجال اللاعنف أثناء دراستي الجامعية، ولكنّ من المُتعارف عليه بأن العنف الإلغائي يقوم على خلاف فكري، ديني، اجتماعي، والأخطر هو الخلاف السياسي الذي يُصدر عُنفًا يطيح بدول وأنظمة.. والمشكلة بهذا العنف السياسي، بأنّ “جسمه لبّيس”، فلو كانت القضيّة مُحقّة، وتحمل لواء المظلومين والمقهورين، تراهم يرتكبون عنفًا يُطلقون عليه لقب “ثوري”، فيرتدي العنف السياسي هنا رداءً ثوريًا يظن البعض بأن هذا الرداء يلغي صفة العنف.

لا يوجد في قاموس اللاعنف مصطلحًا يُدعى العنف الثوري، فالعنف ليس مفهومًا نسبيًّا يتعلّق بأهدافه، والغاية لا تُبرّر الوسيلة بحسب رائد اللاعنف “غاندي”، فنتيجة الفعل إمّا عنفًا أو لاعنف! حيث لا يمكن للمرء أن يستخدم اللاعنف كاستراتيجيّة كحبّة دواء يلزم استخدامها عند الحاجة. إنما هو فلسفة ونمط عيش. وكلمة “عيش” تشمل كافة الأفعال التي يمارسها المرء في حياته اليوميّة.

اقرأ أيضا: لا تبني ثقافتك على معتقدات خاطئة واتبع عقلك – ناجي سعيد

أذكر في طفولتي أن عناصر من “حزب سياسي” هاجموا بيتنا رغم أننا نسمى في القرية “بيت الأوادم” كانت قد غُسلت أدمغة المهاجمين الذين جُلّهم من أقاربنا، وهم مُقتنعون بأنّنا أعداء لوطنهم الضيّق، ولسنا مُجرّد خصوم في السياسة. فالعنف أعمى عيون السياسة بالتأكيد. وجعلنا نصفه بمصطلح “العنف السياسي”. وكيف لا ونحن لا نملك حقيقة.

العنف السياس يا أعزائي يمتد في مجتمعاتنا واسعاً جداً، عندما يشترط أن تكون من هذا الحزب لتحصل على وظيفة فأنت تُعنَف، وعندما يحصر حزب بعينه الوطنية بنفسه فهو يعنف الآخرين، وعندما يخرج حزب ليشتم قواعد الحزب الآخر بدل انتقاد خصمه فإنه يمارس العنف السياسي، ووإلخ… من أمثلة في مجتمعاتنا التي يمارس فيها العنف السياسي مثل “الجنس” وربما أكثر.

سناك سوري-ناجي سعيد

اقرأ أيضا: الإعدام.. نقتل إنساناً لنخبره ألا يقتل أحداً – ناجي سعيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى